أنا سيء للغاية، لكني لا أسئ لأحد، أو على الأقل ذلك ما يبدوا لي، لست أعرف حتى إن كنت قادرا على الإساءة أم لا، فأنا ضعيف، ضعيف للحد الذي لا يمكن لك عزيزي القارئ أن تتصوره، ضعفي ربما لا يلاحظه أحد، من حسن حظي، فالناس إن لاحظوه فسأقع في ورطه، وان لم يلاحظوه فسأقع أيضا في ورطة، وقد وقعت في ورطات عديدة في حياتي، أستنتج أن هناك من لاحظوه وهناك من لم يلاحظوه. ضعفي يتجلى في كوني شديد الملاحظة في أمور ربما قل من يعير لها أدنى اهتمام، قمة الوقاحة، السخط كل السخط، لا أريد أن أسرد لكم هذه الأمور، فأنا لا أحب أن أكشف عن ضعفي، إن اكتشفته فقد اكتشفته وان لم تفعل فالأمر في كلتا الحالتين لا يغير من الحال شيئا، لكني سأعترف لك بشيء مهم وأرجوا ألا تعتبره ضعفا، فتكتشف ضعفي، الأمر هو أني فكرت مرارا في الانتحار، ولا أستبعد على الدوام فكرة أني سأموت منتحرا. ها أنت عزيزي القارئ بدأت تكون عني أفكارا سيئة، بدأت في إطلاق الأحكام، على أي يمكنك أن تفعل ذلك، ما دخلي أنا، تلك مخيلتك ولك أن تفكر بها كيفما تحب. هل تعلم شيئا عزيزي القارئ، يمكنك ألا تتابع قراءة ما سيأتي، فأنا لست مثيرا للاهتمام، رغم أني أجيد الكثير من الأشياء التي تستحق الاهتمام، من بين هذه الأشياء أنني متذمر على الدوام وحاقد بشكل لا يصدق على تواجد البشرية جمعاء فوق سطح الأرض، ولكني أنسج علاقات وأمتاز بروح الدعابة، أنا ربما منافق، يمكنك أن تؤمن بذلك، ذلك شأنك، ما من قوة تمكنني من أن أغير توجهاتك الفكرية. ستجدني في الأفراح أكثر مما ستجدني في الأتراح، لا أحب تلك الشعائر الجنائزية التي تفوح منها رائحة الموت، رغم أني اعترفت لكم مسبقا أني أفكر في الانتحار، ما من خيط ناظم بين ثنايا حياتي، أنا متناقض، أنا التناقض.
ولكن رغم كل السوء الذي يعتريني ورغم كل التناقض الذي يسكنني، أعرف الكثير من الناس الذين يعيشون تباينات صارخة ومخزية ربما أكثر مني، لكني أنا على الأقل أعترف، أما هم فيخشون أن يكون عنهم الآخرون أفكارا تجعلهم ينفرون منهم. أنا، لا أعرف لماذا أكره الأشخاص الذين يحترمونني كثيرا، لا أعرف ما الذي يستحق الاحترام في شخص مثلي، أنا أخشى على الدوام مكائد الذين يحبونني، وأرتاح عندما يتجاهلني الآخرين، فمن يتجاهلني لا يفكر بأن يلحق بي الأذى، ربما أنا خاطئ، فكر جيدا في ذلك. وأي شخص في الأساس قد يفكر في إلحاق الأذى بمخلوق مثلي؟
أنا، وأعوذ بالله من ظنكم السيئ في استعمالي المتكرر لكلمة “أنا”، ثقوا بي أنها ليست ضميرا للمتكلم، فهي ليست في الأصل ضميرا، على أي عندما أقول “أنا” فأنا صادق وجاد في كوني أنا من يتحدث وليس شخصا أخر، هناك من يعتقد أنها دليل على التكبر والتغطرس، أشفق على من يعتقد ذلك، بل أذمه. أنا تعني أني أنا من يتحدث، ليست دليلا على حب الذات، فأنا أشد من يكره ذاته ومع ذلك لا أتوانى على استعمالها.
أتعرف يا عزيزي القارئ بأن الناس متحمسون لكشف عيوب بعضهم البعض، ان تاريخ المجتمعات إلى الآن ما هو إلا تاريخ صراع من أجل كشف العيوب، أنا لا يضرني في شيء إن كشف الناس عيوبي. أعطيكم مثالا، عندما يريد أحدهم أو إحداهن أن يقبل أو أن تقبل على الزواج، أي أسئلة يطرحها عن شريكته أو عن شريكها المستقبلي؟ إنها أسئلة تتعلق بالعيوب، وليس الميزات، لكن ذلك منطق يبدوا صائبا فالبشر كلهم عيوب، البشر هم عيب الكون.
أنا أريد أن أبكي بعد كل يوم عشته، أود عندما أخلوا بنفسي في الليل، وبعد أن ينام الجميع، أن أصرخ وأقوم بالعويل، لا لشيء إلا لأني قد قبلت لنفسي أني عشت بين البشر يوما آخر، ألم أقل لكم سابقا أني حاقد على تواجد البشر فوق الأرض، أنا أكره أن تلتصق بي صفة “إنسان”، وهذا ما يدفعني لرغبة كبيرة في البكاء والصراخ والعويل، ولكني رغم كل ذلك لو لم أكن إنسانا لطمحت بكل جوارحي أن أكونه.
زيادة على كل ما قلناه سابقا، فأنا أستغرب أشد الاستغراب من علاقاتي الأسرية والصداقاتية، لا أجد لها أية مبررات حقيقية وراسخة، لندع الأسرية جانبا فذلك لا يهم وينبغي تجاهله قدر المستطاع، ولنتحدث عن علاقات الصداقة. الصديق بالنسبة لي شخص غبي، هنا أقصد صديقي أنا وليس أي صديق، غبي لأن اختياره غبي، ألم يجد في الدنيا الواسعة إلا حثالة مثلي؟ ما الذي حفزه ليجعل مني صديقا؟ لندع هذا جانبا ولنحكي بعض الوقائع.. أستغرب أيضا في كون أصدقائي متحمسين للقائي عندما أغيب لفترة، ولكن عندما أحضر يفتشون بكل حماس في أغلاطي وعيوبي، ألم أقل لكم سابقا أن تاريخ البشر هو تاريخ التنقيب عن العيوب؟
أحيانا أشعر بالنوم، ولكني أقاوم ألا أنام، أخشى الأحلام فهي تموهني وتعطيني لبرهة ضئيلة من الزمن أسباب أخرى للحياة، وأنا لم أعد أرغب في أسباب للحياة بقدر ما أطمح للحياة في حد ذاتها، لا أريد الأحلام بل أريد الحياة، ومع ذلك لا تحلوا الحياة بدون أحلام. تبا لفكرة الموت الذي اعتقدتم أني سأنطق بها في لحظة من اللحظات.
مع كل ما سمعتم هناك من اقتنع بأني ملزم باللجوء إلى الخبرة الطبية، نعم يلزمني علاج نفسي، جلسات، اعترافات، عقاقير ومتابعات لتحسن حالتي… أنا لا أعرف ما الذي يدفعكم إلى علم النفس، أليس عالم النفس بشخص مريض أصلا، أليس فضوليا يبحث في عيوب الناس، لماذا يحاول أن يداوي من اختار لنفسه الحمق والجنون، أليس الجنون امتدادا للعقل، أليس العقل شكلا من أشكال الجنون، هل لاحظتم أني لم أضع علامات استفهام، أتمنى أن يكون هذا سببا كافيا في أني ضعيف في اللغة ولا يمكنني أن أصبح كاتبا. المجانين أشخاص مثيرين للاهتمام، فلكل مجنون طريقته الخاصة في العيش، أما من يدعون العقل فكلهم متشابهون.
محمد هروان – تنجداد، الرشيدية
محمد لا تأخد الحياة بمحمل قد لا تطيقة . عش حياتك ببساطة . صحيح أنه من الجميل الإنفراد بأفكار أو بالأحرى بطريقة تفكير فريدة من نوعها .. إلا أنه في بعض الأحيان قد يؤدي ذلك إلى ذلك المحمل الذي لن تطيقة محمد
شكرا لك استاذي على مرورك الجميل، اعتذر عن الرد المتأخر.
استمتعت بقراءة ما كتبت, موفق إن شاء الله
المجد للجنون
لا يمكن ان تخط مثلما هاته الكلمات الا بقلم عبثي مجنون .. ولا تزال تضاجع القارئ في كتاباتك.