محمد فارح يكتب: المعرفة والوعي الاجتماعي

16 يوليو 2020

 

إن إنتاج المعرفة يتولد داخل المحيط الاجتماعي، ولهذا الأخير الأثر الكبير في العملية الإنتاجية للمعرفة، فالمعرفة ترتبط ارتباطا وثيقا بالفعل العرفني والمتعلق بالذكاء واشتغال الدماغ، ولكن إنتاجها سيتعلق كذلك بالتجارب والواقع الذي يعيشه الفرد المنتج لهذه المعرفة. ويمكن أن نعتبر اللغة كأداة للتواصل المعرفي من جهة أنها حاملة للمعرفة، وستجعل اللغة من نفسها الوعاء الحامل للمعرفة من خلال الوظيفة المعرفية. تقدم الوظيفة المعرفية نفسها من خلال اللغة، وذلك باعتبار أن اللغة تتولى نقل المعرفة، فإنتاج المعرفة يكون من خلال اشتغال الذهن وتوظيف التجربة التي تنشأ داخل الإطار الاجتماعي، وتتولى اللغة عملية حملها ونقلها للمجتمع.

إن المعرفة تنتج داخل المجتمع وتنتقل داخله، كما يمكنها الانتقال إلى مجتمعات أخرى عبر عملية المثاقفة، غير أن المعرفة حين تنتقل من بيئة إلى أخرى ستجد نفسها في مواجهة الثقافة الاجتماعية السائدة داخل المجتمع المستقبل، وستجد نفسها أمام الاندماج داخل هذه الثقافة لتصبح جزءا منها، أو الاندثار أمام الهيمنة الثقافية. فقوة الثقافة داخل المجتمع تحدد ما ستؤول إليه المعرفة الوافدة، وسيترتب على ذلك ما ذكرناه من الاندماج أو الاندثار، ولا شك أن قوة الثقافة الاجتماعية تتحدد من خلال مدى الإنتاجية المعرفية داخل هذه المجتمعات، ويرتكز الوعي بالوظائف الاجتماعية عند الأفراد كمهمة أساسية في التحولات التي تطرأ على الأعراف السائدة.

فالوعي بمضامين الوظائف الاجتماعية وترسخها في ذهنية الفرد، والقدرة على التحرك من خلالها، هي أحد أهم مقومات المجتمع، إذ لا يمكن للمجتمع أن ينتج المعرفة وهو خلو من الوعي كمعرفة وممارسة، تستند الأولى كوظيفة مفهومية تتأسس عليها المعرفة، وتستند الثانية كوظيفة تطبيقية لهذا المفهوم-الوعي- فالإنتاج المعرفي يتحقق من خلال الوعي، ويتأسس من خلاله مفهوما وممارسة.

محمد فارح – الجزائر

باحث ومتخصص في اللسانيات وتحليل الخطاب

اترك تعليقا

لن يتم اظهار بريدك الالكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها *

: / :