ثمة كُتاب يُسودّون القراطيس، رغم أن الموهبة خانتهم، ولا يمتلكونها ولا حتى يقتربون منها، فلم إذن يكتبون؟!
لقد أعطوا الحق لأنفسهم حين وجدوا أنهم قُراء نهمين، ومع توالي القراءة بشكل كبير، فكّر القارئ في خطوة جديدة، خطوة الكتابة، وتساءل مع نفسه: لم لا أكتب؟ ألست قارئا نهما؟ أليس كل قارئ نهم قادر على الكتابة؟ من سيكتب إذا لم يكتب قارئ مثلي؟!
تساؤلات مشروعة، لكن الذي غير مشروع، ولم يدركه هذا القارئ المتسائل، أن القراءة بشغف وبنهم وبوعي عميق، للأسف لا تُؤهلنا أن نكون كُتاب، ولا تعطينا الحق أن نجرؤ على تسويد بياض القراطيس، لأن الكتابة عملية معقدة وغير سهلة كما نظن، إذ تتداخل فيها محددات كثيرة، تتجاوز القراءة، وإلا لكان كل قارئ كاتب في نفس الوقت!
صحيح أن القراءة شرط ضروري من شروط الكتابة ومطلب لا غنى عنه لكل كاتب يحترم نفسه وقُراءه.
لكن ليست هي المعيار الفاصل الذي يحدد من سيصبح كاتبا من عدمه، فلو قرأت كتب العالم كلها، منذ بدأ الكتابة إلى يومنا هذا، والتهبتها التهابا، فإن الكتابة- الإبداعية- لن تُحركها، فالموهبة هي محركها وقائدها، وإذا أصررت على الكتابة – دون موهبة- وأنه لن يهدأ لك بال حتى تُصبح كاتبا وتُصدر كتبا، فإنك حتما ستفشل وإن لم يحصل ستكون نصوصك فيها تكلف وتصنع لا فائدة وراءه ما عدا كتابة اللا كتابة!
لم التكلف؟ بدل أسلوب بسيط ولغة سلسة وعذبة، أفضل من التعقيد وحشو النص بالمفردات الغريبة، وهذا النوع من الكتابة الذي يلجأ له البعض بغية تغطية على موهبته، فالموهوب مجرد تنزيل قلمه على بياض الورق ينطلق وحده كأن قوة خارقة تحركه وتملي عليه ما يجب أن يكتبه ليحرث البياض كما يشاء.
معظم الكتاب الذين يتكلفون في عصرنا لا يُقرأون ولا يقرأ لهم أحد، اذهب وافتح رواية من روايات محمد زفزاف – على سبيل المثال – تجد النص كتب نفسه بنفسه، بعفوية ولكنه عميق المعاني، لغة لا تكلف فيها، إذا لم يفهمك الناس الذين كتبت من أجلهم، فما حاجة تسويد الصحائف!
إدراج الكاتب للمفردات الغريبة وتركيبها في تركيب معقد، ما هو إلا إبراز للعضلات اللغوية.
ما هي الكتابة في نهاية المطاف إلا شعور وأفكار يمليها القلب على القلم الذي يتكلف بها على الورق.
بعض الكُتاب تظن الظنون أن الأسلوب المتكلف الغامض والتراكيب المعقدة سيعتبره الآخرون كاتب بارع، كأن الذي يكتب بأسلوب بسيط تعد كتابة عادية، فهل التعقيد بالضرورة يعني العمق والعمق عنده فقط في التعقيد، ألا يمكن أن يكون هناك عمق ومكتوب في نفس الوقت بأسلوب سهل!
عندك أفكار وظفها في لغة جميلة عميقة يفهمها الجميع دون الخروج بطبيعة الحال عن قواعد اللغة وجماليتها، فالنص أمامك ولم تفهم منه شيئا، وكأن النص كُتب بالفارسية، ما هو ببعيد عن العربية، إذا لم تستطع تمرير أفكار ومعان ومشاعر بأسلوب سلسل بعيد عن إغراف في رمزية فارغة، إن كنت تملك موهبة، فاترك القلم يكتب!
المبدع هو الذي يملك مصباحا يضيء به نصه دون إغفال ترك الفراغات والبياضات التي يضيئها القارئ وحده ليكون فاعلا مع النص.
محمد بن صالح – مدينة تازة
اترك تعليقا