الأزمة – تعريفا- هي اللحظة التي يتعرض فيها نظام ما- طبيعي أو اجتماعي أو فكري- إلى عطب ينجم عنه اضطراب وظيفي في آلية اشتغاله. بحيث لا يعود في وسع دورته الطبيعية أن تعمل على النحو الذي استقر عليه أمرها في السابق. بدأنا مقالنا هذا بتعريف “للأزمة” كما تطرق لها الدكتور عبد الإله بلقزيز في كتابه “نهاية الداعية، الممكن والممتنع في أدوار المثقفين”.
أصعب ما يمكن طرحه هنا والآن _ليس من الناحية الشكلية_ وإنما من الناحية الموضوعية، خاصة إذا كان الجواب على التساؤل إيجابيا، وهذا ما يعني أننا سنكون أمام إصلاح ما هو مأزوم، وتقويم ما هو مُعوج. وبعد هذا يحق لنا وضع السؤال الذي يدور حول الأزمة..فهل حقا نعاني من أزمة؟
ما نشهده اليوم ومنذ زمن ليس بالبعيد، من تراجع في مجموعة من المستويات، وكذا النكوص المتزايد الذي يسجل حولنا، يدفعنا إلى العيش بعشوائية كبيرة، ويلزم علينا الدخول في تصحر مجتمعي -ناتج عن جهل بخوارزميات التقدم- على عكس الازدهار القيمي/ الفكري الذي عرفه الغرب !.
في ظل الحديث عن “نموذج تنموي” – علاقة بالنقاش الدائر- كمشروع يقر مسبقا بالفشل الدريع الذي وصلت إليه مجموعة من القطاعات، والتي تكاد تفلس بسبب الأزمة التي تملَّكتها. و انطلاقا من ذلك، ما هو المشروع التنموي الذي يمكن أن يناسب أفراد المجتمع في ظل انخفاض وتدني منسوب الوعي وتفشي أزمة التعلم/ القراءة؟ وما هي نسب تحققه في ظل هذا التقهقر ؟
الأكثرية إن لم نقل أن الجميع يكاد يجزم بوجود أزمة البطالة، أزمة الجريمة المنظمة، وأزمة الإرهاب ثم أزمة التطرف بشتى أنواعه، وكذا أزمة البيئة، أزمة الكوارث، ثم أزمة التضخم السكاني، دون أن ننسى أزمة الجهل التي سببها أزمة التعليم أولا. ناهيك عن أزمة الفقر !.
لسنا في حاجة، وإلى كبير جهد لجلد جهة ما وبيان اللوم عليها، فلنوجه لذواتنا السهام، ولنحدد نوع الأزمة التي نساهم فيها بقدر كبير، وبجرعة سم غير محددة الزمن. ولعلها السبب الأول والشرارة في باقي انتكاساتنا التي يعرفها جل أفراد مجتمعنا، وهي نفسها تساهم في الأزمات السابقة.
لم يعد النقد -حول أزمة القراءة- صحيحا إذا وجه صوب جهة ما/ خارجية، دون توجيهه نحو الأفراد بعينهم، فلا مشروعية لذلك ما دمنا مساهمين ومشاركين بطرق أو بأخرى، ومواكبين لتطورات العولمة الرقمية والثورة التي أحدثتها ” la révolution numérique “.
فالفرق هنا شاسع بين النقد الموجه للذات وتصفية الأخطاء على أمل التصويب، وبين النقد الذي يعمق الهوة ويستحضر المؤامرة تجاه الآخر، في محاولة لرمي الشباك لاصطياد السراب..!
خألس
اليوم وفي خضم الأزمة الكبرى -أزمة القراءة- يمكن القول بأننا على حافة الإفلاس، وبعد إفلاس أفراد المجتمع فلا محالة ستفشل باقي مؤسساته ومكوناته. وإن ما يدعوا المتتبع إلى الجزم بهذه النتائج التي سنؤول إليها بلا أدنى شك، هو نسبة القراءة السنوية للفرد الواحد، والتي تقدر ب 6 دقائق في السنة، مقارنة مع باقي سكان ربوع العالم، والنسب المرتفعة التي تسجل بهذا الخصوص. ففي الوقت الذي يقرأ فيه الفرد داخل بلدان “المغرب الكبير” ربع صفحة وبمعدل ستة دقائق، يقابله الفرد الـأوروبي بحوالي 200 ساعة سنويا، كمتوسط تم تسجيله كما نصت على ذلك الأمم المتحدة في تقرير لها حول عادات القراءة عبر العالم. ناهيك عن نوعية الكتب المقروءة، كبضاعة مستهلكة تسجل حولها أكثر من علامة استفهام. فاختيار البضاعة التي هي بصدد القراءة، سواء كانت ثقافية أو فكرية أو فنية أو علمية..تمكننا -إن لم نقل- تفرض علينا المكانة التي سنحظى بها بين باقي الشعوب -التي تعرف منسوبا مرتفعا من الوعي- ولنسلَم بأنفسنا من غياهب الجهل، مترفعين بذلك عن كل ما يمكن أن يؤدي بنا إلى السقوط فيه مرة أخرى. مستحضرين ما قاله “كونفوشيوس” بهذا الصدد عندما تحدث بلسان الحكيم ونطق الحكمة قائلا: “مهما كنت تعتقد أنك مشغول، لا بدّ أن تجد وقتًا للقراءة وإلا سلم نفسك للجهل الذي قضيت به على نفسك.”
إن الاهتمام المتزايد بالقراءة وعبره الاهتمام بالكتاب وجعله القنطرة الوحيدة لعبور وتجاوز النسب المتدنية، سيكون السبيل الأوحد لتجاوز العزوف المستشري، وتحقيق التطور على مستوى مجموعة من المجالات، وبذلك قد نكون قد ساهمنا في ارتفاع منسوب الوعي لدى أفراد المجتمع. وتقوية رأسمال بشري مهم من الموارد البشرية تحقق اكتفاءً ذاتيا.
إن الرهان على هذا الرأسمال المادي من الموارد البشرية، عبر الاستثمار فيه من خلال الرفع من منسوب القراءة، يعد إستراتيجية أكثر أهمية بالنسبة للدول الأكثر تقدما. الإشكال يبقى قائما في ظل موارد بشرية ضعيفة، تنتمي لمجتمع يتحكم في نفسه بنفسه في ظل السيطرة العنكبوتية، غير قادر على التحرر من “البعبع الرقمي”، ومن هيمنتــه السلبية بالخصوص.
تعتمد العديد من الدول عدة برامج يتم من خلالها تشجيع أفراد مجتمعاتهم على القراءة، فتعمد بهذا الخصوص إلى تخفيض تكلفة الكتب، التشجيع على النشر ثم التوزيع، والأهم من هذا هو النجاح عبر هذه الوسائل وأخرى (النجاح) في تكريس ثقافة القراءة كنشاط لا يمكن أن يختفي في جميع الأنشطة الحياتية اليومية، عبر الشارع/ التنزه/ أماكن التظاهرات/ المكتبات المتنقلة عبر الشواطئ…الخ
تبقى ثقافة حمل الكتاب في دول العالم الثالث/ النامي أو في طور النمو شبه منعدمة، استنادا على الإحصائيات المنشورة عبر مجموعة من المراكز المتخصصة في هذا الشأن. إلاُ أنه ما دمنا نعيش في أوساط هذا المجتمعات، فإننا لم نعد في حاجة إلى هذه الإحصائيات، بقدر ما نسعى إلى تغيير هذه النسبة، عبر الحث على أهمية الكتاب والتعلم منه، وتكريس ثقافة القراءة وفعل القراءة، إيمانا منا بأهميته في حياة الفرد بالخصوص، وما ينتج عنه من تأثير على الجماعة ولما لا تحقيق ذلك الإدمان المتزايد قصد ممارسة التفكير بفعالية ومحاولة تقريب الهوة الشاسعة بين الفرد وفهمه لمجتمعه. يقول جان بول سارتر: “يبدو لي أن كل ما أعرفه عن حياتي تعلمته من الكتب“. ينقصنا الكثير لنعرفه عن حياتنا، ولمعرفة ذلك فسيكون مفروض علينا اليوم وقبل أي وقت مضى الشروع في معرفة حياتنا عبر الكتاب أولا ثم بناء مجتمع يؤمن بالقراءة كإيمانه بالحياة !.
الآراء الواردة في هذه المشاركة تعبر عن رأي صاحبها فقط.
محمد الهشامي باحث في المجتمع المدني والديمقراطية التشاركية/ المغر ب
كاتب رأي
أسلوب سلس لغة سليمة أفكار مرتبة استشهادات مزكية انتقاذ للواقع بصورة أدبية تجعلك تتمم المقال رغم عنك و عن زمن البعبع الرقمي الذي و أنت تتناول المقال لإتمامه إلا أن رنات “الواتساب” تلاحقك ولكن اخن اخن لك يا تقنية مقوضة الأفراد و ناهجة سياسة القطيع و اللعب على سيكولوجية العربي المقهور. طبعا كل ذلك لتعميق أزمة نكرة نحن في ذواتنا نجهلها .
شكرا لك و موفق أخي محمد في كتاباتك المقبلة بإذن الله.
تسلم خواطرك أيها الصديق