هو عنيد ومزاجي، صامت بصخب يحمل مع كل مزية نقيضها. حكمته عفوية وخلوته ظاهرة مبهرجة في ملتقى الطرق وكل الطرق تؤدي اليها.. هو عجوز ارهقه السؤال بقلب طفل يخشى عتاب امه ويشاكسها هو فوضوي ويجيد ترتيب المكان.. كأن لسان حاله يقول أنا هنا وهناك انا طفل عجوز بريئ ومدان أنا سجين حر غريب في مسقط رأسي.. لوهلة شككت في امره، ترى هل يمتلك الة السفر عبر الزمن؟ ليبدو تارة كجندي خائب مهزووم خائن ومكتئب يحكم إغلاق أبوابه ويسدل ستائر الغموض، كمهاجر يائس ضائع بلا هوادة ولا انتماء.. ينقصه بعض اللمسات الفنية فقط ليكتمل المشهد. لو ان مخرجا هنا لصفق لأداء التلقائي المتقن لذالك الغريب العبثي، يتقلب بلا إنذار أو سابق إشعار يشبه سماء الشتاء يلفه الضباب من كل جانب كالغز، يرعد بجنون حكيم ويبرق خلسة ثم يمطر وابل من الأسئلة التي تظل بلا جواب نهائي، تفقده توازنه وشهيته ينسى أن يأكل تخبرني أعقاب السجائر وظلال عينيه تخبرني الدفاتر وبقايا الحبر على يديه تخبرني الجدران والأكواب وبقايا تفاصيله الصغيرة التي يفشل متعمدا في طمسها، كلها تخبرني عن استياءه وكثافة أفكاره التي لا يملك إلا أن يسرع ليلحقها في الليالي المقمرة..
ثم يدور حول نفسه كدرويش ألف مرة وواحدة، بعدد ليالي شهرزاد.. وينتقل لفصل آخر شمسه بازغة دافئة ضحكاته موزعة هنا وهناك بحب يستيقظ وبقلب يحمل بين طياته نصف حنان الكوكب. بخفة فراشة ونشاط نملة يركض في المساءات ويخطب في المنابر والتجمعات لكنه سرعان ما يمل كل هذا ويتذمر من حرارة حزيران وشمس تشرين ليرتدي بذلة الرجل الخارق من جديد ويتحول الى آخر عاجز حياته مقلوبة كحشرة كافكا يعيش على الهامش بفلسفة “إميل سيوران”.
ليلى شاهد – مدينة خنيفرة
اترك تعليقا