تعتبر الثقافة الحسانية من بين الثقافات المغربية المتجذرة في التاريخ؛ إذ تتميز بالتواصل وقوتها الرمزية وحركيتها المستمرة. فالثقافة الحسانية حافظت على تنوعها وتراثها اللغوي والأدبي والفني، حيث ينفرد المجتمع الصحراوي بمجموعة من العادات والتقاليد التي تميزه عن غيره من المجتمعات؛ من قبيل مراسيم الأعراس والمواسم وغيرها من الاحتفاليات الخاصة. وتتنوع عناصر الأدب الشعبي الحساني إلى شعر بأنواعه المتعددة (هوْلْ-كِيفانْ-طلْعاتْ…) وأغان شعبية كالأمداح النبوية (لمْداحْ) ثم الحكايات والمسرح وغيرها من الفنون الأخرى التي تكسر طابع الصمت وتساعد على التواصل.
طرأت مجموعة من المتغيرات على واقع الثقافة الحسانية في ظل جائحة كورونا، حيث كان المشهد الاحتفالي والإبداعي متميزاً وحافلاً بالتنوع في عدة مجالات من قبيل الشعر والمسرح والغناء وغيرها من الأنشطة. واستمرت بعض الأنشطة الثقافية في هذه الظروف حيث نرصد بعضاً منها:
• هروب العديد من الأسر إلى حياة البدوي سواء عن طريق نصب خيام في أسطح المنازل أو الذهاب إلى البوادي، فبعض هذه الأسر تطبق طقوس أهل البدو من اعداد الشاي ورعي الغنم وألعاب شعبية مثل “السيكَ” وغيرها من الأشياء التي تضرب عصفورين بحجر واحد أولا للهروب من وباء كورونا خوفاً من انتقال العدوى ثانياً احياء بعض التقاليد والأشياء الذي يفتقدها الإنسان الصحراوي المتمدن.
• ففي ظل الحجر الصحي تستمر الابداعات الأدبية الحسانية، وتستمر الجهود المكثفة حيث برزت وجوه جديدة فمثلا المديرية الجهوية للثقافة بكليميم استمرت طيلة أيام هذا الحجر الصحي في تنظيم مسابقات شعرية حاملة شعار “رسالة الأدب الحساني في ظل الحجر الصحي”.
• بعد أن كاد ينقرض الأدب الشعبي الحساني وخاصة الحكايات والروايات، ظهرت كورونا كمنقذ لهذا الأدب، فالعديد من الأسر تنظم جلسات التحاجي والكَيفان لكسر الملل الذي خلّفه الحجر الصحي.
• دون أن ننسى تنظيم سهرات فنية والمسرح عن بعد من طرف مديرية الثقافة وتنظيم ندوات حول التراث وقراءات قرآنية وغيرها من الأنشطة التي تعتبر متنفساً للعديد من الفئات.
تعترض تطور الأدب الحساني بمختلف مكوناته من شعر ومسرح وموسيقى وغيرها في ظل الأزمة الحالية مجموعة من الصعوبات التي نجملها في تراجع بعض الإبداعات لشعراء كبار الذين استعصى عليهم التواصل عبر منصات التواصل الاجتماعي وذلك لغياب المهرجانات الشعرية: الشيء الذي أثر على استفادة مختلف الفئات العمرية ومنعها من الاستفادة من أنشطة متنوعة وبالتالي تغيب المتعة ويغيب معها الحضور الواقعي. بالإضافة إلى عدم معرفة الشيوخ بوسائل التواصل الاجتماعي الشيء الذي منع التواصل مع الجمهور بشكل كلي، وانعدام التواصل بين الجمهور والمبدعين والفنانين خصوصاً أن بعض الأسر الصحراوية اختارت الجو البدوي الذي حال دون استعمالها للأجهزة الإلكترونية؛ الشيء الذي أدى إلى تأثر الفنانين والشعراء مادياً لغياب التظاهرات الفنية التي كانت مصدر رزقهم.
خلاصة القول ماهو افتراضي يبقى افتراضي لا يرقى إلى مستوى الحضور على أرض الواقع لأنه يقتصر على نخبة معينة. وبالتالي فوباء كورونا يلقي دروسه في أكثر من مجال في المجتمعات عامة، والمجتمع الحساني ينال نصيبه من ذلك وسيترك ذلك إرثاً للأجيال الصاعدة. آملين من المولى أن نتجاوز هذا الامتحان من غير ضرر.
لكن أظن أننا بحاجة إلى الوعي والتوعية خصوصاً في ثقافتنا الشعبية حتى نتجاوز الجائحة دون المساس بقيمة موروثنا، رغم الجهوذ المبذولة لنقله للعالم الافتراضي لكن أرى أن الواقعية أفضل بكثير من ما نشاهد الآن على مواقع التواصل.
ليلى حنانة – مدينة الرباط
اترك تعليقا