عرفتُها منذ أزيد من خمس سنواتٍ خالية،على أرض الأطيافِ هاته، حيث الحياةُ عبارةٌ عن فقاعة صابونٍ، سريعة التلاشي.
كانت صبية فيسبوكية بامتياز، تثيرُ منشوراتها كل أنواع المشاعر الإنسانية، من بهجةٍ، وحيرةٍ، وبؤسٍ وحسرة . تدونُ وتكتب عن حياتها الخاصة بنهمٍ ، فتطلعنا عن معاناتها في الدراسةِ، و عن خلافاتها مع صديقاتها المُقرباتِ والبعيداتِ، وعن القلبِ وهمساته السرية، وعن مشاعرها الغضةِ اتجاه خطيبها الذي توهجت منصة التواصل الإجتماعي بسبب سعادتها به، ثم خمدت بعد حينٍ بسبب افتراقها عنه، مع ذكرها للأسبابِ، التي لن أعيد ذكر أي واحد منها على كل حالٍ، فهي من خصوصيات الفتاةِ، على أن كل تلك المنشورات التي كانت تضج صخبا على صفحتها، لم تكن لتخلوَ أيضا من التهريج، والإستهبالِ، والطرافةِ، تنشر صورا غريبة لأطعمة عجيبة، وهي تلتهمها منتصف الليلِ، تشاكسُ صديقتها المقربة فقط، كي تستفزها وتحثها على المناظرة، هي بالفعل غريبة الأطوارِ، خصوصا حينما تضع صورا لنصف وجهها الناعمِ، الذي تغطي نصفه الآخر بقلب كبير أحمر..وكأنها في صراع مرير وتردد كبير ، تريد من خلاله ولا تريدُ، أن تظهر للعيان ، فهي تتخبط بين فكرة وحيرةٍ، يقرر خلالها لسان عقلها الآمر الناهي مصيرها ، في قضية جوازِ الظهور الجسدي أمام الملأ، وبين وجوب التواري والإكتفاء بالحضور الوجداني..
ورغم كل ذلك الكم الهائل، من المشاعر المختلطةِ الواضحة، كانت الصبيةُ قريبة إلى قلبي، لما تبثه من أنسٍ على صفحتي، فهي فتاة كباقي الفتياتِ، تعتريها أحيانا نوع من الهيافةِ، والحماقةِ، وأنا كصديقة افتراضية، كنتُ أعلق أحيانا على تلك المنشوراتِ الطريفةِ، أو أكتفي بوضع لايكٍ من اللايكاتِ، أو أحيانا أخرى أضحكُ في صمتٍ،وأنا أجلس على أريكتي المفضلةِ في بيتي.
هي بلا شك شخصية لطيفةٌ جدا، وغيرُ كتومةٍ بالمرة. تحب أن نراها كما نرى الشمس المندلقةَ عند مطلعِ كل صباح، فما أن يغم علينا في يوم من الأيام حتى نفتقد أشعتها الدافئة، فنتسائل في وجلٍ عن سبب تواريها المفاجئ.
وقد مرت بنا الأيامُ و تصرمت معها الشهور، بعد حادثة فسخ صديقتي الفايسبوكية لخطبتها الأولى ، وهي تتقلب بين حال و حالٍ، تقسو على الرجال تارةً ، فترسل الصواعق عليهم بلسانها اللاذع ، فكانت منشوراتها تأتي قوية، تتخللها حسرة، أدركتُ من خلالها كم هي مجروحةٌ، ثم ما فتئت أن فاجئتنا ذات صباح، باستهلال لطيف تمجدُ فيه الحب، أشدّ التمجيد، بعد أن أعلنت بأنها قد خطبت من جديد، فقد التقت أخيرا بفارسها الهمامِ، لتبدأ بسلسلة العرض المجاني. فعرفتنا بأريحيةٍ من خلالهِ على تفاصيل الخطبة ، وجهاز العروس ، ثم بعدها على حفل الزفاف..
وأنا أنظرُ في ذهولٍ، إلى جيش المتابعين على صفحتها، الذين يراقبون بنهمٍ الحياة المفتوحة المعروضة عليهم ، وكأنها مسلسل من المسلسلات، التركية .
ورغم ذلك كانت سعادتي لنهاية حيرتها في الحياةِ، بعد أن نالت حظها من الحب الحلال صادقةً، لكنني كنت أتمنى أن تكف عن وضع كل تلك التفاصيل الشخصية، وكنتُ أقول بأنها على الأرجح ستهدأ بعد الزواج، فمعظم الفتيات يركُنّ للإستقرار بعده، فهو سكنٌ للروح ولباسٌ للجسد.
وبالفعلِ، اختفت صديقتي لبعض الوقت، فافتقدتُ رغما عني شغبها على الأزرق، لكنني تمنيتُ لها التوفيق والعيش الرغيد، في حياتها الجديدة.
ومنذ يومان فقط، صعقتُ وأنا أتهادى على أرض الأطياف هاته، لأرى أن حياتها انفثأت بغتة كفقاعة صابون ، بعدما وضعت على صفحتها رمز أبغض الحلال، الطلاق !
لم أعد أعلمُ ما الحديث الذي يمكن أن يقال في مثل هذا الحادث،من عبارات الأسف و المواساةِ، لكنني تسائلتُ بحسرة، أكانت عينٌ، أصابتها ؟ أم هو مجرد سوء حظٍّ، صاحب هوسها الشديد في التعرية عن خبايا حياتها.. فهي لم تقم إلا بما يقوم به كثيرٌ من الناس.. حبًّا منهم للتفاخر والتكاثر، وإعلانا منهم للتباهي المخبوء بين تلابيب النفوس..
فهل يا ترى يستحق العالم أن نعرض عليه كل أسرارنا ؟ وماذا عن اسعينوا بقضاء حوائجكم بالكتمان؟
تمت.
تمت.
مرحبا لمياء،
أحييك على طريقة سردك فهي تشوق لمعرفة الآتي.. و بخصوص ما أتى على الفتاة من فواجع—فاجعة نكستها الأولى و الثانية، ثم فاجعة وضعها لنفسها بين ألسن الناس في كل مرة— فأنا أرجع الأمر لسببين أولهما لسوء اختيارها للشريك الأول و الثاني ربما () ثم للقدر الذي يكون عكس التمني أحيانا و أيضا لعدم إدراكها بأن الحياة الخاصة للغاااية تكون أكثر هدوءا و جمالا، بعيدا عن مرأى الناس و العكس سيكون عكسيا لا محالة.. شكرا لمشاركتنا هذه العبرة حتى نعتبر ?