أنا متورطةٌ الآن معك يا دانيال، متورطةٌ في ظلّ الريح!
يبدو أنه عليّ إيجاد مقبرةِ الكتب المنسية،وعلي الجد والمثابرة في ذلك، ولعلني سَأسترق السمع لما يحكيه الأب سيمبيري لك،فقد أخذك معه إلى هناك، إلى حيث تتوارى الكتب عن الأيادي القاسية، والعقول المتحجرة .
لا مانع لدي في التسلل ورائكم، والتحول إلى لامياتٍ، تمر عبر الزمن،لترى كل الخفايا العجيبة التي تتوارى بين طيات تلك الكتب، سأرى طبقات المجتمعات، و سأتخطى برشلونة، وكل المدن والقرى وأعبر شوارع العالم وأزقته ، لأطلع على أدق التفاصيل، ولأقف على ذلك المكان السحري، الذي لا أظنه مقبرة منسية أبدا، بل منبعا للحياة، وإكسيرا للأرواح ، تنتظر الشخوص الغافية فيه، من يوقظها من سباتها..
* “فكل كتاب ، كل مجلد تراه هنا، له روح، روح الشخص الذي كتبه، والذين يقرؤونه، يعيشونه ويحلمون به، في كل مرة الكتاب يتنقل من يد لأخرى،ويقع نظر أحدهم على صفحاته، فإن روح الكتاب تنمو وتقوى..” *
وكذلك أضحت روحي بعدما خالطت أرواح الكتب العديدة، نامية وقوية.. يتسارع الفؤاد في نبضاته، ويزداد سعة ودعة، كلما صافحتُ كتابا جديدا، وكأنني أرى فيه شخوصه وهي تتقدمُ نحوي، فتحييني، وترحب بي، وتمنحني بعد توديعها لي، جزءا منها، فلستُ أشك أبدا بأن أطياف، البؤساء لهوجو.. ولا أبطال ثلاثية غرناطة لرضوى .. ولا هواجس الكيخوطي لسرفانتيس.. لازالت تبتسم لي بين الحين والآخر وهي تهمس؛
ترقبي الشخصيات الجديدة التي ستتعرفي عليها لاحقا!
فهي دقيقة في اختيار من تمنحه سرها..!
الحقيقة أنني أدركتُ أن الكتب هي أيضا كائنات حية وهي متورطة معنا بقدر تورطنا معها.. وإن كان لديك شكٌ في ذلك فأقم مقبرة، على غرار مقبرة ظل الريح، واجعلها منبعا للحياة في بيتك، واكتشف ما تقدمه لك، وتأكد بأنك ستمتزج معها شئت ذلك أم أبيت..
أما عني فقد أذعنتُ لها ، و أضحيتُ من اللاميات التي تغذي شخوصا جديدة في كل قصة تنبت من بين أبجديات الحروف..فأنا آخذ وأعطي من كل روح كتاب، جزءا مني..
* اقتباس من * ظل الريح، لكارلوس زافون*
اترك تعليقا