مدخل:
القصة القصيرة هي لون من ألوان التعبير عن الحياة والمجتمع، تحقق للذهن والنفس الكثير من المتعة أثناء القراءة، ولما كانت القصة تتناول مظاهر الحياة، توجب على القاص توظيف اللغة والأسلوب الملائمين حسب موضوعات قصصه، على اعتبار أن القصة بوابة يعبر من خلالها عن آماله وآلامه وكل ما يشغله من قضايا فردية أو جماعية، إذ يخاطب الإنسان حيثما كان، ويلامس عوالمه الداخلية والخارجية بطريقة مشوقة وممتعة، قد تكون روحانية أو شاعرية/رومانسية، أو فلسفية.
وسنركز في قراءتنا هاته على حضور المرأة وهمومها في المجموعة القصصية “عبور” للقاصة آمال الحرفي (الصادرة عن منشورات الراصد الوطني للنشر والقراءة بطنجة سنة 2021، تتكون من عشر قصص، وتتصدر غلافها لوحة تشكيلية للفنان الراحل عبد اللطيف العمراوي)، بحيث تحضر المرأة بقوة في كل القصص، خلال تسليط الضوء على معالم الحياة اليومية، والطفولة والتقاليد، وفضاءي المدرسة والجامعة…
1- حضور طاغ لهموم المرأة
إن القارئ للمجموعة القصصية “عبور” يلاحظ هيمنة الهم الذاتي، وهموم المرأة على وجه الخصوص، حيث تتضمن المجموعة موضوعات تدور حول المنزل والأسرة والمرأة في جميع أحوالها. ونستطيع أن نلمس الواقعية في معظم القصص، وحضور الذات بشكل طاغي في الحديث عن قيمة الحياة والذكريات، وهذا أمر بديهي عندما يتعلق الأمر بالإصدار الأول الذي يحاول القاص من خلاله التعبير عن خلاصة تجاربه وفضاءاته المتعددة التي يتحرك فيها وكذا التقنيات اللغوية التي يتعاطها، وحضور الشخصيات التي يتعامل معها عبر تجلياتهم الإنسانية والنفسية المتشبعة مجتمعيا وحياتيا.
ونجد أن القاصة آمال الحرفي ركزت على المرأة المهزومة والمرأة المتمردة/ الثائرة:
– المرأة المهزومة
ونجد أن المرأة تتسيد المسار البطولي في قصص “عبور”، إذ تأتي في بعضها المرأة مهزومة نفسيا، مغلوبة على أمرها، شديدة الحساسية من سلم الحياة الاجتماعية، كما في قصة “عرس الذئب”، إذ تقول الساردة: «غريب أمرها، تعمل في صمت وهي تضع نقابا أسود على وجهها، تصر على الاطمئنان باستمرار على ثباته بمكانه… أحنت المسكينة رأسها، واستمرت في عملها» (ص.45 ).
كما نجد في قصة “عبور” «اخترقت حلقي رجفة خجل، ثم سرت بكل جسدي، انفجرت باكية»، و«الحقيقة أن تعليمات أمي نحتت بداخلي أوثانا، قد يصعب علي هدمها» (ص.24). والأمر نفسه نجده في قصة “فوضى”: «أشفقت على نفسي، وعلى كل النساء اللواتي يرددن في أحاديثهن «الشقا اللي ديريه اليوم تعاوديه غدا ««(ص.52).
– المرأة المتمردة
ونلاحظ أن القاصة آمال الحرفي أصبغت على بعض نساء قصصها صبغة التمرد والثورة على التقاليد، كما في قصة “عبور” نقرأ: «فاطمة… لم تعرف كيف تحافظ على نفسها وعلى شرفها» (ص.24). في الوقت نفسه تشعرنا القاصة بالجمال والرقة والسحر الأنثوي، في شخصيات قصصها، فمنهن ذوات العيون الفاتنة، والملامح المتناسقة، والكتفين العاريين، والشعر البني، والجسد الفائض بالأنوثة، وغير ذلك من الملامح والسمات الجمالية.
وهنا تبدو قدرة آمال على اقتناص الصور الاجتماعية والسلوكات الإنسانية، والرومانسيات الأنثوية، ما يقربنا من الواقع الحقيقي الذي تستوطن فيه الكاتبة فضاءات نصوصها وإبداعاتها.
2- المكان والزمن في قصص “عبور”
انطلاقا من قراءتنا للمجموعة نلاحظ أن القاصة آمال الحرفي أولت عناية كبيرة بالفضاء والمكان أو ما يسمى بـ “الزمكانية”، إذ ركزت على فضاءات واقعية وأزمنة لها حمولتها الواقعية أيضا.
ويعد المكان هوية النص، باعتباره الوعاء الذي تدور فيه الأحداث والواقع وتتنقل فيه شخصيات المجموعة، وهنا يمكننا أن نشير إلى أن القاصة آمال الحرفي، قسمت الأمكنة الموظفة إلى: أمكنة مغلقة مثل: المدرسة، الجامعة، المسجد، الحمام، الشقة، المقصف، السيارة. وأمكنة مفتوحة مثل: المدينة، الجبل، الشارع، الشاطئ، المقبرة. ونلاحظ أن المكان هنا متحكما في حركة القصة وفاعلا فيها ومسهما في إظهار مشاعر الشخصية على سبيل المثال لا الحصر الأمكنة الحاضرة في قصص: “فوضى”، “اختيار”، “انقطاع”.
أما الزمن فيتجلى في الزمن الواقعي أو الفيزيائي وهو الذي يتبدى لنا من خلال مفردات الصباح، الظلام، الفصل، الشهر… والزمن المتخيل أو زمن السرد والذي يدخل فيه الزمن النفسي فنجد ذلك من خلال اختزال الزمن بين الماضي والحاضر وما يسمى “فلاش باك” وما يشير إليه الزمن النحوي بين الماضي والحاضر والمستقبل.
خاتمة:
وبناء على ما سبق، تميزت نصوص المجموعة القصصية “عبور”، بالجمالية والمضمونية، إذ وفقت القاصة آمال الحرفي في اختيار عناوين القصص التي غالبا ما تتكون من مفردة أو مفردتين أو ثلاثة، وهو جانب يؤطر لنا شخصية الكاتبة وفضاءاتها الثقافية والاجتماعية، واختيارها لعنوان “عبور” له حمولة رمزية ودلالية عميقة داخل المجموعة، كما تمكنت بأسلوبها السلس والبسيط من شد اهتمام القارئ وتحفيزه على إتمام المجموعة في جلسة قرائية واحدة، وهي تعالج موضوعات قصصها التي تغلب عليها حضور المرأة اللافت للنظر، عبر الوصف والتصوير والتعبير عن عوالم النفس الخفية.
كمال العود – مدينة تارودانت
اترك تعليقا