في مرحلة الطفولة يبدو كل شيء في دنيا سهل وبسيط وساذج، مرحلة تطبعها اللامعنى للاشياء.
نتقدم رويدا لمرحلة الشباب الأولى، تستمر نظرة “كل شيء سهل” في مخيلتنا، مرحلة نرى فيها أنفسنا قادرين على كل شيء، نضع أحلامنا نصب أعيننا، نضع مشاريع كبرى كالتي تبثها قناة “ناسيونال جيوغرافي”، نحس بقوة الحياة تلبسنا، قبل أن تبدأ عجلة المفاجآت في الدوران.
ننتقل بسرعة البرق لمرحلة الشباب الثانية، نصطدم بالحياة والواقع والمجتمع، تبدأ أحلامنا بالسقوط كما تسقط أوراق الاشجار في الخريف، تختفي أفكارنا المثالية الراقية، تختفي مشاريعنا الكبرى، نبدأ في التخلي عن تتمة المشوار الدراسي بعد خيبات في اجتياز امتحانات الدراسات المعمقة “master”، نتخلى رويدا رويدا عن مراسلة الجامعات البعيدة، تتسرب لعقولنا كلمة “الوساطة” وما تفعله من أفاعيل. هذا مشروع من المشاريع الضخمة التي هدمت في مهدها.
يستمر مسلسل المفاجآت والصدمات، ونكتشف أن الفتاة التي نحبها ويحبها شباب القرية، ليست بتلك الروعة التي رسمناها عنها، إنها ليست ذلك الكائن النوراني الذي اعتقدناه، نراسلها خفية نكتشف بأنها شيطان ليست بملاك…خفيفة ثقيلة الظل، كلامها مر يخلو من الشاعرية والرونق.
دائما في نفس المرحلة نصطدم بواقع “صديق” كنا وضعناه في مكانة عالية في قلوبنا، نراه منقدنا عند الشدائد والمحن، بعد فترة هينة نراه أناني، نرجسي، حقود، لا يحب من يتفوق عليه ولو بكلمة…
من ضمن مشاريعنا الكبرى “الوظيفة الكبيرة” في مكتب كبير، التي تحولت إلى وظيفة بسيطة، تنتهي أجرتها في الأيام العشر من كل شهر.
في كل عمل كنا نظن أننا سنغير العالم كما كان يقول بطل سلسلة بريكي وبرين، وأننا نقوم بعمل عظيم ورائع، عمل خيري جمعوي نرقص على ذكراه لأيام معدودة، فتحل المفاجأة، وتتوالى الصدمة، لا شيء تحقق، فيجرف التفاؤل والحيوية وتحل الكآبة والتعاسة. ثم يحل الملل ضيفا ثقيلا علينا، إننا نكرر نفس الشيء طيلة الأسبوع، دون هدف محدد، إننا نسخة طبق الأصل للآخرين.
نصل أحيانا إلى احتقار ذواتنا، وأننا نعيش وسط دوامة العبث، وأن العبث هو الحياة نفسها.
ثم نكتشف بعد بحث معرفي ضئيل أن الحياة وهم وعبث، هذا يستدعي منا أن نتقبل الحياة ونتحملها لكن كما قال البير كامو “الطريق الصحيح هو الوعي، فكلما ازداد وعينا ازداد احتمالنا للحياة…”.
كمال العود – مدينة تارودنت
اترك تعليقا