و أنا أحدق في الأفق، توارت العجوز عن أنظاري، و ما عدت أميز بين الحقيقة و الخيال. إني انتهكت حرمة مقبرة مهجورة…
خرجت منها أهرول، لعلني أنسى كل ما عشته من قصص داخلها. استدرت و بدأت في الركض و كأنني في محاولة اللحاق بقطار يحمل زوجتي المختطفة… و أبنائي أيضا، أو كأنه آخر قطار سينطلق من الأرض متجها نحو المريخ، خلت أنني سأبقى في أحشاء هذه المقبرة، و قصص أصحابها مرعبة تبعث على الهروب إلى أبعد نقطة في الكون.
كلما تجاوزت قبرا أجدني أبدأ من جديد و كأنني أستعمل دراجة هوائية في قاعة كمال الأجسام. لقد عجزت، و هو أمر أرعبني، عن التخلص من تفاصيل الحزن الذي يغمر “روبيرتو”، و تقاسيم وجه العجوز كتاب لا يقوى عن فهمه أحد. إني أريد أن أهرب…
توقفت، وقلت لنفسي:
- نعم أنا في كامل قواي العقلية… نعم بالتأكيد، لكن… ماذا أفعل هنا؟
فأجابني شخص آخر، و أنا متأكد أنني لم أكن أنا…
- أنت في مهمة هنا…
ثم ألمح شبحا يختفي في رمشة عين و كأنه برق أو شعاع شريد…
- في مهمة أنا؟ أ أنا “توم كروز”؟ و ما بي، إن كنت كذلك أخرج عن النص؟؟
فأجابني، من خلف جدع شجرة نخرها الدود و نقار الخشب معا و أصبح منظرها يحيل على الخريف أو كأطلال الرومان، قائلا:
- أنت منقذنا و لا منقذ سواك … عد و لا ترحل كما رحل أجدادك و أهلك عنا و تركونا في ظلمة هذه المقبرة و نحن أحياء نتنفس و نرى و نشعر و نحس بكم و أنتم لا تعيروننا أدنى اهتماما….
توقفت و أغلقت عيناي ثم فتحتهما لأطرح نفس السؤال بجدية و بكل ثقة بالنفس:
- نعم أنا في كامل قواي العقلية…نعم بالتأكيد، لكن… ماذا أفعل هنا؟؟
أجابني صوت طفل صغير و كأنه يود أن يشكي إلي حزنه هذا المبكر:
- أسبق أن كنت طفلا؟ أسبق أن اشتريت قطارا؟ أو مسدسا؟ أو قيتارة توهم نفسك أنك فنان بمجرد امتلاكك لها؟
لقد كثرت و سائل الإقناع و أنا لست مستعدا و لست أود أن أكون طرفا من المناظرة …
اترك تعليقا