تجرأت بعدها على استجواب “أندريا” و سألتها إن كانت تعرف أحدا يطلب النجدة. فردت و هي تتعالى: “انه لا فائدة من إنقاذه.” فسألتها من جديد: ” انه لا دخل لك في ذلك، فقط دليني عن مكانه.” فردت قائلة بعنف: ” في الجحيم”. ليس من عادتي التطاول على شخصياتي، لذا تركتها و شأنها و ذهبت أبحث عن مكان يشبه الجحيم.
و أنا في طريقي إلى الصفحة الخامسة و الأربعين بعد المائة،أوقفتني نداءات متتابعة. كانت لرجل يلوح برجليه و كأنه في حصة رياضة، لقد كان الجليد يشارف على الذوبان، بل ذاب نصفه و أصبحت الموت قريبة من دماغه و حواسه. يقاوم تارة و يفقد الأمل تارة أخرى و كأنه يريد و لا يريد مفارقة الحياة: حائر لا يعي مدى صلاحية أفكاره. هذا هو الجحيم الذي تحدثت عنه “أندريا” و هذا الرجل ذو الأربعين ربيعا قد ورطه الكاتب في أزمة قرار جد متناقضة: أزمة اختيار بين متناقضين: الموت أو الحياة.
أدركت أن طلبه للنجدة لم يكن سوى لحظي و أن المدة التي استغرقها الجليد كي يذوب، كانت كافية للحسم في موضوع العودة أو الرحيل. لكنه قد ذاق من شراب الاثنين: الإحساس بالعدم و الإحساس بالأوكسجين و أصبح المتناقضان متساويان و لا تفصل بينهما فاصلة و لا فاصل. فأدركت حينها معنى ” انه لا فائدة من إنقاذه”.
لكنني أنقذته و جعلت من إنقاذه فائدة. فالبرغم من الضجر الوجودي الذي نعانيه نحن البشر، فإننا نتشبث بالحياة حتى آخر اللحظات، حينها نودعها في صمت و عدم إدراك جذري للوجود الذي احتوانا سنينا متعددة. لقد جعلت منه حاكما في الشهباء و أمينا في بغداد. و تركته في أوج الحضارة : يعيش.
اترك تعليقا