كريم الحدادي يكتب: لم أقو على العيش على “المريخ”…

28 مايو 2020

في سنة 2070، بعد أن أصبحت الأرض مجرد ميدان يحتضن الكوابيس ، الأزمات و الفيضانات و الأوبئة، ارتأى فريق من العلماء أن السفر إلى المريخ هو الحل أمام هذه المعضلة و قد تم  العمل على وضع آخر اللمسات، لتبدأ “ابن الطائر الأسود” أول رحلاتها  الفضائية نحو المريخ.

تم ترحيل عدد من المهندسين المعماريين في رحلة دامت لسنوات، حيث كان من اللازم أن ينتقلوا برفقة أسرهم و عائلاتهم. و تم تصميم أول مدينة في شرق المريخ، حيث تنخفض درجة الحرارة و تقل الزوابع. وزودت المدينة بمحطات كهرباء و مولدات طاقة و أجهزة تبريد و محطات تخزين الأوكسجين. كما أنشئت حدائق و بساتين عملاقة، احتضنت ما يزيد عن مليون نوع من النبات، بما في ذلك الورود. و تم اختيار ثلة من المهندسين الزراعيين عبر العالم للقيام بهذا العمل الجبار. طامحين بذلك تزويد الكوكب بمصادر طبيعية للأوكسجين… للحياة.

من جهتهم، دخل رواد الشركات الكبرى في صراعات شتى حول الأراضي و التي من القائم أنها ستقام باهظا. يبدو أن كل شيء سيبدو باهظا، بما في ذلك المثلجات و آلات التبريد. الشيء الذي سيخلق اختلالا كبيرا في سياسة الاستهلاك و نمط الحياة. فالعيش على المريخ هو في آخر المطاف، اختباء من الموت، و الظاهر إن هذا الاختباء لن يكون أمده طويلا.

لذلك تجد علماء الاقتصاد يتصارعون نظريا. فمنهم من يقول أنه لابد من تغيير مفهوم العملة، و منهم من يطالب بإرجاع نظام المقايضة، و منهم أيضا من يدعو إلى إعادة إحياء الاشتراكية كحل اقتصادي للحياة على كوكب لايرحم !

و من جهة أخرى، دخل علماء النفس مع علماء الاجتماع في نقاش دام لسنوات و أشهر. فعالم النفس خائف على نفسية السكان و يحذر من إمكانية لجوء البعض إلى رفض الانتقال إلى المريخ. بينما ينادي عالم الاجتماع الناس و يدعوهم إلى العمل على تقبل تغير الوضع الاجتماعي و أن ذلك لا ينبغي أن يؤثر سلبا على الحياة الاجتماعية، فكل ما ينبغي فعله هو التأقلم.

كثر القيل و القال على وسائل التواصل الاجتماعي. ففكرة العيش في المريخ بدل الأرض، لا توجد عند الكثيرين سوى في أحلام اليقظة. فمجرد العيش في وطن غير وطنك، يجعلك تشعر بالغربة، و يملؤك شوقا، فما بالك بالعيش على الكوكب الأحمر. كيف ستبدو الحياة هناك؟ كيف سيبدو الزمن؟ النور؟ الحب على المريخ؟

بينما دخل رجال السياسة ، و وسائل الإعلام في حملات إفهام الناس. فالأغلبية ترفض الإخلاء و تبدو متثبتة بفكرة البقاء على الأرض: هذا الكوكب الجميل !  حتى الصغار يرفضون المغادرة. فتجد واحدا يقول: ” أنا ابن الأرض و الأرض أمي، لن أتركها لوحدها، ستظل تبكي، و سيؤلمني ذلك… لن أترك الأرض.” و تجد آخرا يقول، مخاطبا والديه : ” من تسبب في هذه الكارثة؟ لا بد من معاقبة الفاعل… لم لا تجيب يا أبي؟ فأنت قاضي. و أنت يا أمي، أنت محامية و تعرفين بشأن هذا النوع من الجرائم، ألا يجب معاقبة الفاعل عوض الهروب ؟

مر وقت طويل و لا يزال العالم حائرا، يفكر في حل لإقناع الناس بقبول الترحيل إلى المريخ. و قد شنت معظم وسائل الإعلام حملات إشهارية، تصور حال الحياة على سطح الكوكب الجديد، و سارع البعض إلى إغراق مواقع التواصل الاجتماعي بصور  تجسد الحياة هناك، عن طريق صور “السيلفي” و “البث المباشر للحياة اليومية”، الشيء الذي عطل مفهوم الحياة على الأرض، إذ أصبح الناس مهووسون بفكرة العيش خارج الكوكب الأزرق.

كانت عائلة “ألبير” هي الأكثر معارضة لفكرة السفر نحو المريخ. فأنشأت العائلة منظمة تحت عنوان: “مخلصو الأرض.” كتعبير عن رفضهم للمغادرة، بالرغم من تفاقم  الأوضاع على سطح الأرض. فالزلازل أصبحت ظاهرة عادية، و الأمطار الحمضية، بدأت في تشويه مورفولوجية المدن، و تلطخ البحار و المحيطات، و تقتل كل ذي حياة، ما إن سنحت الفرصة لحصول ذلك. أصبحت الأعاصير مخيفة، ففي كل وقت و حين يهيج البحر فيصل إلى ما وراء البر، جارفا معه الحي و الميت.

تدعي عائلة ألبير أن ما يقع للأرض هو ظاهرة طبيعية، و ينبغي  تحمل غضب الطبيعة لفترة، بينما تنقشع الأزمة، كما تتثبت العائلة بفكرة “التضحية”، و رفض الهروب و التخلي عن الأرض في عز أزمتها و حزنها. و قد عملت هذه المنظمة على حماية و رعاية كل المهتمين بفكرتها و أهدافها، لذلك تجد بالمقابل وسائل إعلام و مفكرين  يعززون فكرة البقاء على الأرض.

بينما ساهم بعض علماء الاقتصاد في إقناع الحكومات بضرورة احترام قرارات المواطنين الذين يرفضون المغادرة. مبررين نظرياتهم بضرورة فرض ضرائب مالية على المواطنين، مقابل ترحيلهم، لأن ذلك يقام باهظا. إذ يحتاج الفرد الواحد على المريخ إلى ثلاث لترات من الماء و كيلوغراما واحدا من اللحم، بالإضافة إلى ذلك يستهلك الفرد الواحد في مدة أربع و عشرين ساعة قنينة أوكسجين واحدة، بالإضافة إلى حاجة الإنسان إلى الخضر و الفواكه، الضرورية لعمل الجسم و مساعدته على تحمل الوضع على المريخ.

إلا أن روبرت كان أذكى مما كان يتخيله البعض. إذ قام ذو الثلاثين، بأبحاث دقيقة دامت لسنوات. حيث كانت إشكاليته الكبرى هي كالتالي:

عندما يشتد غضب الطبيعة، ما الحل؟

فكان جوابه بسيط أثار استهزاء الجميع، و ضحكت عليه وسائل الإعلام و السياسيين و علماء الأحياء … فكان جوابه كالتالي:

إنها النهاية !

كريم الحدادي – مولاي بوعزة

اترك تعليقا

لن يتم اظهار بريدك الالكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها *

: / :