كريم الحدادي يكتب: لملم أغراضك و سافر إلى حيث لا تدري…

28 ديسمبر 2019

دب أغراضك و اتجه نحو المحطة… ستجد هناك قطارا بطيئا كان أم سريعا، انتظره بضع دقائق أو  بضع ساعات، و ألق بساعتك في النهر قبل أن يصل القطار. عندما تركبه ستكون قد تخلصت من مفهوم الزمن جذريا.

وحين يصل القطار، لا تتعجل، ابق ثابتا في مكانك و كأنك لا تريد الرحيل. انتظر دقيقة أو دقيقتين قبل أن ترفع رأسك، و كن و كأن القطار في ملكيتك، لكن احذر أن ينطلق قبل أن ترفع رأسك. و حين تركب لاحظ في أي عربة أنت، أو لا تنتبه حتى لا تندم على اختيارك غير الصائب.

و حين ينطلق القطار، لا تسارع إلى محفظتك فتخرج منها جريدة أو كتابا، فذلك من دواعي الملل. لا تمنح الملل فرصة ليصطادك كسمكة النهر بسهولة، و انتظر. انتظر و أنت جالس تتأمل في الطبيعة، و كأنك تبحث عن زهرة غارقة بين أوراق النعمان أو عن مصدر الشمس.

و حين تصل إلى المحطة الثانية أو الخامسة و العشرين عكس الاتجاه، قم بوضع نظاراتك الشمسية حتى المحطة الثالثة أو الثالثة و الثلاثين عكس الاتجاه. و انعم بقيلولة  حين ينطلق القطار و اشرب قليلا من الماء و التفت بمينا فإن وجدت عجوزا ابتسم لها أو له، و اقترح عليها أو عليه كوب ماء، فإن رفض أو رفضت فاتركها أو اتركه، و إن قبل ناوله أو ناولها ذلك الكتاب، و دون اسم أمك على الصفحة الأولى و اتركه، و التفت شمالك، فإن وجدت شقراء غارقة في التفكير، لا تسألها و لا تقاطعها، و ناولها كتابك الثاني و اسمك بأوائل الحروف مدون في أخر صفحاته و اتركها.

و حين المحطة الثالثة، سيقف القطار لا محال، لا تخرج. التزم الصمت و الهدوء، حتى يعود المسافرون و إن عادوا و بحوزتهم الطعام أو الشراب، فلا تأخذه إن عرضوه عليه و ابتسم قدر ما استطعت رافضا إياه.

في المحطة الرابعة، سيبدأ صغير في البكاء، و أنت مرهق، لا تملك سماعة، فيزعجك صراخه و يضجرك صوت الأم و هي تداعبه، حينئذ، أخرج ساعتك التي أوهمت نفسك برميها في النهر و امنحها للصغير، سيلتزم الصمت ما إن يستلم هذا الشيء الغريب. و نم كما شئت، لكن احرص على توقيع الكتابين  و ابتسم و قدم الماء للعجوز لعل ذلك يقيك مما قد تصادفه في رحلتك.

.

.

كريم الحدادي – مدينة خنيفرة

اترك تعليقا

لن يتم اظهار بريدك الالكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها *

: / :