في وصف الألم
على جبي المغلق إلى أجل، سأرفض ورودك، كلها، حتى و إن كانت بينهم زهرة الياسمين، زهرة أمي المفضلة. لن أقبل منك كل ما يدل على الحياة، حتى ورود الأمس المسقية بماء الجبل، أو بدموع عيونك عديمة اللون و الطعم معا. إنه و من الآن، أصبح لا شأن لي بالحياة. بتلك الحياة التي أرهقتني مشاهدها بالسؤال. كم هي عميقة تفاصيلها، فما بالك بتفاصيل تفاصيلها. أمر مثير، مخيف إلى درجة الجنون. لقد أصابتني بالجنون، منذ الوهلة الأولى التي بدأت فيها محطات تأملي كهاوي، كشخص بسيط يزعم أن بإمكانه مشاهدة الحياة بمنظار الفلاح و المتشرد و رجل الأعمال و الفيلسوف، إنها رحلة صعبة و غير مضمونة النتائج سلفا.
إن من أضعف الإيمان أن يتهيأ الإنسان لخوض غمار: رحلة إلى الشمال أو سفر إلى الجنوب أو جلسة في مقهى شعبي في الهامش، لا يرفض المقبلين كما أفعل و لا يرد معوزا أو متسولا إلا و جعل له مكانا آمنا لا يحس عند الجلوس فيه بالضيق. وأنا المخطئ في تعجرفي أمام أسرار الحياة المتلونة، ذهبت لوحدي في طريق ظننتها مجرد طيف، سحابة و تنقشع، فعدت بخفي حنين، ليس ثائرا كما يفعل البعض، بل منكسرا.
الانكسار شيء لا بد منه في كل مغامرة أو سفر. فما بالك بالانكسار الذي تسببه لك الحياة بعظمتها و سلطانها و هيبتها؟ ما قوة الانكسار الذي يسببه لك غروب الشمس مثلا إن سألتك؟ أو ما حدة الانكسار الذي تسببه لك أغنيتك المفضلة؟ ما شدة الانكسار الذي سببته لك هجرة أحدهم عن العالم الزجاجي الذي انكسر بداخلك؟ و عبثية ما تفعله بنا الحياة بكل بساطة؟
لطالما تساءلت عن مسببات الأشياء، حتى رأى بعض صغار العقول من البشر في ما أحاول أن أصنع، جنونا، فزادوني إرهاقا و أسئلة. و كم و كم تمنيت أن أسلك، لتجنبهم، مسلكا غير ما اخترت، و لكن الزمن يفعل ما يريد.
لا عيب في أن يكون الإنسان مختلفا، لكن كل العيب في أن تهزمه عظمة الحياة، فيتعالى باختلافه دون قصد أو عجزا عن مجاراة اختلافه. يصبح الإنسان حينها وحيدا، و إن تسأله عن مرارة الوحدة و الألم الذي يعيشه في عين اللحظة، لما سكت ثانية، أو تردد في البكاء و هو يستدل على صحة و واقعية الحالة المزرية التي يعيشها. و إن تسأله كذلك، إن كان هناك أحد من بني ادم يسأل عن أحواله أو يسأل عن وحدته، لضحك ضحكا و بكى ثم ضحك مجيبا: ” طبعا لا أحد. إنه حقا لا يوجد أحد.”
العزلة التي قد تصيب شخصا ما، مميتة. و ليس لأحد الحق معرفة حدتها سواه. إنها حالة من السوداوية، هستيريا حياة، فوبيا موت… أي حياة ستبقى إذا؟ حياة موت؟ حالة ذعر وجودي؟ خوف من الحياة و الموت معا؟ كيف ستكون ابتسامتنا حينها؟ تخيلوا فقط، لا تحاولوا، تجنبوا المحاكاة و التقليد، لا تغرقوا، لا تأخذوا الأمور بجدية، ابتسموا بلا سبب، تخطوا حاجز الواقع، اقتحموا الخيال، لا تتوغلوا، تراجعوا..
من سيتقدم لإنقاذك؟ خمن…؟ لا أحد. لا تنتظر كثيرا، أو لا تنتظر أحدا، أنا لا آمرك، أنت حر. هناك، شخص ما على الأقل، هذا إن كنت مكروها كطبيب تسبب في وفاة أمك أو امرأة أصيلة لم تخنك أبدا، سيكون شخص ما ينظر إليك من بعيد و ينتظر أن تراه، لقد ارتكب هو الآخر خطأ حين ظل بعيدا، لا تلمه و إن لمته فلم نفسك كذلك، نحن بحاجة إلى أن نلوم أنفسنا من حين إلى آخر.
كريم الحدادي – مولاي بوعزة
اترك تعليقا