إن من أصعب الامتحانات التي يعجز البشر على الإجابة عن أسئلتها هي “تعيير الصواب”. و كأننا- عندما نحاول تقعيد أو تصميم أو تعديل “شيء” رغبة منا في جعله أكثر فعالية عندما يتعلق الأمر بما ننتظره من عمليتنا هاته الهادفة إلى التسوية و العمل بالموازاة مع ما أفرزته نقاشات لجان التحكيم و العامة و المثقفين و علماء النفس و الاجتماع و رواد التربية، حول قابيلة تحديد ثلة من النقاط التي يصفونها بالإجماع بالصائبة- نؤلف كتابا لا قارئ له و لا متصفح لصفحاته البيضاء المملة. و ما الصواب إذا؟
لقد جاء “فن الجدال” لفك النزاع، ففشل. و جاءت “الخطابة” بخطى ثابتة لفك النزاعين، ففشلت و تم اتهامها بالانتهازية و غير الأخلاقية. فظل “المنطق” يتربص محاولا تفادي زلتي منافسيه، حتى فك النزاعات التي أفرزتها تدخلات أقل عقلانية وحكمة. و جاء الليبراليون ليفسدون كل ما بني و أصبح المنطق حائرا بين اثباث الحقيقة و الإصغاء لمطالب مجحفة تتعارض مع ميثاقه الشرفي.
على سبيل المثال، ذكر “عبد الرحمان المجدوب” أن الصمت حكمة، و ردد المتحررون “الصمت عار..” . أعرف أن الصمت حكمة في سياق و عار في سياق آخر، لكن هناك من لا صوت لهم و لا لغة أو وسيلة تواصل مع العالم. ترى كيف يجدر بنا تعميم الأحكام و نحن مرتاحون ؟ هل أصبح التناقض معيارا؟ هل كل الصامتون حكماء؟ هل كل من لا يجيد الكلام، هو على صواب؟ هل كل من يجيد الكلام، هو على صواب؟ ما الصواب يا ترى؟ أين هو؟ هل معناه الكل ضد الكل ؟ أو الكل ضد لا أحد؟ هل لا معنى له؟ أهو كل المعاني؟
الصواب شريعة و عقيدة و حب و إيمان و وعي بالغاية من الوجود. لكن طرق الوعي بالوجود متعددة. ترى أيهما صائب و سوي؟ و إن كانت الشريعة واحدة فالبشر مختلفون و جلهم يملك ميثاقا في يده اليمنى و ميثاقا أو أكثر في يده اليسرى و ما خفي كان أعظم.
إن الصواب عند الصفر شيء و عند الصفرين أشياء، و في زمن الفراعنة قصة و في “زمن الكوليرا” قصص و حكايات. ليس كل ما نفعله صواب و ليس كل ما لا نفعله حماقة أو جنون. فما هو إذا؟ وعن أي بعد نتحدث؟
إننا بصدد الحديث عن البعد الألف بعد المليون من الوعي الإنساني. و إننا نعلم أن “المثالية” فوق الأرض مستحيلة و مستبعد تحققها. و لهذا سيظل شبح الصواب يلاحقننا، يتابعنا من بعيد و من قريب. سنظل حبيسي البعد الأول، حيث بالمقابل، يصبح الوصول إلى أبعاد أخرى أمرا مستحيلا، غير قابل للنقاش.
بقلم : كريم الحدادي
كاتب، باحث بسلك الماستر المتخصص في اللغة الفرنسية
مولاي بوعزة،إقليم خنيفرة
اترك تعليقا