يقول “غوستاف لوبون” إن آخر ما وصلت إليه الفلسفة أنه لا قدرة للعقل حتى الآن على فهم أسرار العالم“. هل هذا يعني أن العقل غير قادر فعلا على فهم العالم و خباياه؟ إذا كان الجواب نعم، فما الذي يحول دون ذلك؟ و إذا كان “سوء الفهم يولّد الشك“، كما قال “دان براون”، فهل سيعيش الإنسان في شك مستمر؟
سيأتي زمن، ستكون فيه، لا محال، التفاهة فن، و موضوع بحث الفلسفة. و بوادر هذه التفاهة قد شكلت و رسمت بدقة، و دقتها تحيل على أن الأوان قد آن، ليبدأ “مغناطيس” اللافهم في جذب العقول إلى منطقة العلم الزائف، الرجعي بامتياز أو الرجعي بجدارة الجهل.
و بما أن المعرفة سلطة، كما جاء على لسان الفيلسوف المعاصر “ميشيل فوكو”، فالمعرفة المستقبلية ستكون سلطة جهل. ما دامت “أم العلوم” محكوم عليها بدراسة التفاهة و بالجدال الفارغ جوهره و المسلوبة سبله من “العقلانية”. لقد غدا الإنسان منهارا، و لا يدري، لسوء الحظ، أن الجهل هو السبب.
وغالبا ما يأخذ الجهل موضع الفهم، و لعل هذا ما يعرقل عمل الفهم الصحيح و المتجدد دون الخطأ. إذ يأتي الدغمائي –و هو مريض بالرغم من علمه المدعى صحيحا- فيضع الأسس بعشوائية، غالبا ما يستمدها من التجربة- وهو لا يعلم أن المختبر الذي أجرى فيه التجربة كان يفتقر للمعايير الأساسية التي من دونها أو خارجها أو داخلها لكن خارجها، لن تقوى أسسه على الصمود أمام قوة العقل و المنطق.
و الغريب في الأمر هو أن الكل يدعي الفهم. يقول السفسطائي أنه لا يجب أخذ الأمور بجدية و أنه لكل مشكل حل، فيستقطب بذلك المنبهرين بالكذب و السفسطة، و تتشكل حينئذ المجموعة، لنحصل في الأخير على “فهم المجموعة”. و يسارع المنطقي إلى التناقض الجدلي فيختار بكل عشوائية الجانب الواضح و يدافع عنه بكل ما أوتي من قوة، مهملا بذلك الجانب الخفي، فيسقط التناقض و يغدو الجدل أحاديا، يقارن فقط ببعض الآثار الطفيفة و المتشكلة جراء السؤال.
فما الجهل إذن إذ لم يكن تعلقا ميكانيكيا بالخرافة؟ إنه بدون شك عدم فهم الخرافة. أو لنقل عدم فهم الإنسان للإنسان. حيث أن نتائج هذا الفهم ستكون مضادة للشك. و بالتالي إن توقف المرء عن الشك في شيء، فذلك سيؤدي به إلى تجاوز سوء التفاهم. و إذا كانت” مستويات الفهم للكلام عند الناس تتفاوت ، فإن الجميع يتساوى أمام الرؤية بالعين المجردة لمثال حي، إن صح قول عبدالحميد البلالي.
كريم الحدادي – مدينة مولاي بوعزة
كلام يوزن بالذهب. موفق اسي كريم