فريد الخمال يكتب: نشر الأمل بالمجان فلا تبخلوا

31 مارس 2020

أطل من النافذة التي غيّرتُها قبل أيام، بعد أن فتكت بها الرياح، نعم، رياح الشرقي يا صديقي. فما يلبث أن يزور طنجة إلا ويخلف خسائر. آخرها نافذتي الخشبية، التي لقيت حتفها مكسورة على الأرض. طنجة خالية على غير عادتها، الشارع المنبسط أمامي، دائما ما يعجُّ بالحركة، واليوم خال سوى من مارة قلائل يسارعون الخطى للوصول إلى منازلهم، ودوريات لرجال الشرطة، تقوم بواجبها. أتملى المشهد، فيقاطعني صوت سيارات الإسعاف، وهي تخترق الشوارع الخاوية، باحثة عن قاتل يعثي في البلاد فسادا، وينال ممن اعترض طريقة من الأبرياء سواء عن قصد، أو عن غير قصد..

 أغلق النافذة وأرجع إلى السرير، أجلس على حافته، تصمت الغرفة. أمسك الهاتف وأتصفحه. لازال القاتل السادي يتلذذ بحصد ضحايا جدد، هذا هو الخبر الذي طالعته أول ولوجي لصفحة “الفيسبوك”. والعالم كله يسارع الزمان للوصول إلى حل يُخلِّصُ البشرية من هذا اللعين، الذي ما ترك مدينة ولا بلدا، إلا اقتحمه وهجم على أهله. يتسرب من غير إذن مسبق، فلا تشعر به إلا وقد تملك منك، وخارت قواك دون منازعته.

 أمرر أصبعي على شاشة الهاتف فيظهر خبر آخر، لا يختلف عن الخبر السابق، هو أيضاً يتعلق بالموت، لكنه بطريقة مختلفة.. هل هذا الصباح لا حياة فيه ! قضى أحد أبناء المدينة نحبه غرقا، وهو يصارع الأمواج طمعا في الوصول إلى الضفة الأخرى. أفزع من الخبر. فاتحا فمي عن آخره غير مصدق، فلا أظن أحدا سيجرؤ على المخاطرة بنفسه في هذه الأيام العصيبة. إلى أين؟ إلى بلاد تُصارع، هي أيضا، القاتل السادي الذي يفتك بها بشراسة بالغة ! أعيد قراءة الخبر من جديد، فأرى أنه وقع قبل شهر.. فأستردُّ أنفاسي، وأغلق فمي. متسائلا عن جرأة البعض على نشر أخبار قديمة، وإعادة إحياء المواجع.. أما حلم الهجرة أضحى موقوف التنفيذ في هذه الظرفية.

 أمرر أصبعي مرة أخرى على شاشة الهاتف، فيظهر منشور آخر أقرأه معك صديقي: «جاءت أمراض، ورحلت أخرى. استمر الإنسان في حياته، تجاوزت البشرية الطاعون، والكوليرا، والجدري، وغيرها من الأمراض.. فلا يختلف الأمر عن ذلك.. ما هي إلا أيام أو شهور وتنقشع الغمامة، وتشرق شمس من جديد.. سيمر فيروس كورونا، وسيخرج الإنسان من حَجره الصحي، ويعيد للحياة نبضها. بعد توقف اضطراري، مكنّه من تدارك العديد من الأشياء، وإنجاز الكثير من المشاريع التي بقيت حبيسة ذهنه مدة طويلة، وأعاد أواصر المحبة لجنبات البيوت، التي انشغل عنها في خضم صخب الحياة…». هكذا جاء منشورها المفعم بالأمل، والقريب من الواقع، المعنون بـ”الأمل بالمجان فلا تبخلوا”. هذا هو الكلام الذي ينبغي التركيز عليه في هذه الظرفية، فالانغماس في السوداوية لن يساهم في الخروج من الأزمة، وتصفية الحسابات، والمزايدات الفارغة هذا ليس آوانها، ولا نتيجة تُرجى منها سوى إهدار للوقت والجهد، وجعل الإنسان عرضة للفتك به من قاتل لا يرحم.. التركيز يجب أن ينصبّ قصد إعادة رص الصفوف، والالتحام من جديد، ووضع اليد في اليد وإحالة المحنة إلى منحة، بغية ردع القاتل الذي أجهز على أرواح بريئة. أقفلت الهاتف، ووضعته جانبا. وأمسكت كتابا كي أسيح بين عوالمه لا تحصرني الحدود والقارات.

فريد الخمال – مدينة طنجة

اترك تعليقا

لن يتم اظهار بريدك الالكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها *

: / :