فرحات ديهيا يكتب: رحلة خبز

22 سبتمبر 2020

بدأت رحلتي يوم تم نقلي من مكان اقامتي الاصلي الى بيت ذلك العجوز الذي ابتاعني بثمن بخس .
بعدما سأل الموظف ان يعطيه اربعة خبزات، تم اختياري ضمن الفريق المتنقل اخيرا الى مكان جديد رفقة صديقي ” خبيز” – الوحيد الذي كنت اعرفه في الفريق- اخيرا وصلنا الى بيته بعد رحلة مليئة بالعثرات حتى ظننت انها نهايتي ؛ اخذتنا امرأة مسنة بكل لطف و حنان و وضعتنا على طاولة المطبخ …
“انظر يا خبيز ، المكان هنا هادئ و اقل حرارة من المخبزة ؛ اظننا سنحيى افضل ”
” لا اظن ذلك يا خبز ، لن تطول مدة اقامتنا ، فأنت تعلم ان كل من غادر المخبزة من خبز لم يعد يوما ؛ اظننا سنلقى نفس المصير ”
حسنااا ، لقد عادت تلك المرأة من جديد ؛ لكن … ااه انتظري مهلا، لم اخرجتنا من الكيس ؟ الى اين سنذهب مجددا؟ … لقد حملت احد الاصدقاء و … قطعته الى نصفين … يا الهي ، اذن هكذا سيحدث معي ايضا … الحمد لله لم تقطعني انا ايضا ، لقد اكتفت بذلك الصديق ؛ لكن دوري سيحين بالتأكيد .
ما هي الا لحظات حتى اجتمع ذلك العجوز مع زوجته حول مائدة الطعام و اخذ كل منهم نصف صديقنا الرابع ، انهم يقضمون منه يا الهي اظنني سأموت قبل الوصول لتلك المعاناة ؛ كيف سيكون شعوره الآن؟ هل ما زال يتألم ام انه فارق الحياة؟
تواصلت نفس المشاهد امام اعيني طوال اليوم ، حتى آن الأوان ان افترق انا و خبيز ؛ لم ننم طيلة الليل و نحن نتخيل ما سيحل بنا غدا … جهزت المرأة المسنة طعام الافطار و نادت زوجها ؛ مهلا لحظة ، لم تضع ايا منا على المائدة هذا الصباح ، لوهلة خلت اننا نجونا اخيرا حتى سمعتها تقول :” لقد تبقت خبزتين ، لا تحضر المزيد معك اليوم ” … رباااه نفس الشعور يراودني من جديد .
مرت الساعات كأنها دهر و نحن ننتظر اجلنا المستعجل ؛ لقد دخل العجوز من جديد الى البيت و لم يحضر معه خبزا جديدا كما اخبرته الزوجة ؛ اذن لا هروب و لا رجوع ، الموت ينتظر تحت قضمة المسنين.
اخذتني و صديقي من جديد و اعادت نفس الطريقة التي قطعت بها الخبزتين السابقتين ، لكنني لا ازال حيا لم امت -لقد اصبحت جزئين فقط – اذن متى سنموت ؟
شرعوا في الاكل و ها انا ارتفع من تلك السلة الظريفة الى يدي ذلك المسن الشرير – حتى نهايتي لم تكن بين يدي تلك المرأة الحنونة على الاقل – رفعت رأسي لأجد خبيز يرتفع كذلك لكنه بين ايدي اكثر رقة.
و الآن، لقد اقتلع اذني بيديه الخشنة و وضعها في فمه ؛ مهلا لا ازال احس بها اياك و المضغ … لاااا انه شعور سيء توقف ايها العجوز، حاولت ان انقفذ اذني لكنه فتتها و اصبحت رخوة دون شكل ؛ و بعدما انتهى من الاذن الثانية كذلك ، اظنه دور وجهي …
وضعني جانبا لثواني استرجعت فيها انفاسي و وجهت نظري لصديقي فرأيت احشاءه موضوعة جانبا و بشرته تفتت جزئيا ، دمعت عيناي فرقيقي الوحيد قد مات الان ، و ما هي الا لحظات حتى حملني من جديد -هذا العجوز لا يحترم لحظات الحزن ابدا- و هذه المرة وضعني في فمه حتى شعرت بالدوار من قلة الأكسجين ؛ قضمني … لكنني لا ازال حيا من جديد – اظن ان الموت ليس بالشي السهل – ثم شرع يمضع بطريقة مقززة لانه لا يملك الا اربعة اضراس فقط ( اثنان من كل جهة) ؛ لقد تحلل كل رأسي و اصبح متناثرا في فمه و بلعومه ؛ لكنني لا ازال حيا.
اكمل مضغي جيدا حتى اصبحت رطبا ثم ابتلعني ؛ و في الطريق الى المعدة التقيت بأجزائي مجددا و نزلنا معا … اثناء وصولنا ، تلاعبت بنا تلك المعدة ايما تلاعب، كل الامور تدور من حولي الان و اجزائي انفصلت من جديد بسبب انقباضاتها , لكن اخيرا التقينا مجددا بعد رحلة الرج و المزج تلك .
اننا نتأرجح الان … مرحبا بنا في المعي الدقيق . انه افضل جزء في الرحلة ، على الرغم ان اجزائي انفصلت من جديد بعدما انتقلنا الى الدم مباشرة عندما امتصتنا تلك الزغبات الغيورة ؛ لكنني احمد الله ان اغلب اجزائي قد وجدت مكانا لها في احد الانسجة .

فرحات ديهيا – الجزائر

اترك تعليقا

لن يتم اظهار بريدك الالكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها *

: / :