عزيزي فلان،
لماذا لوقع الغياب كل هذا الصخب في صدري وألف يد تعزف في القلب شوقا، هل يجب أن أغادرك ويفصلني عنك كل هذا البياض لأدرك مدى شقائي في غيابك؟ قررت اليوم عزيزي أن أكتب رسالة حب بمداد من دموع وأرق، فقصص الحب الحقيقية يجب أن تخلد على الورق وليس على تطبيقات جامدة تنتهي فيها قصتك بكبسة زر وتجد نفسك منبوذا في أكثر من واحدة، فتتساءل هل ما عشته كان وهما أم حقيقة !
أعلم عزيزي لطالما كرهت نطقها ”أحبك” نظريتك في الحب أحفظها جيدا : ”إذا نطقناها تتجرد من القيمة والمعنى فتصبح كورقة منسية تتقاذفها الرياح والأقدام”، فقررت أن أرضي غرورك وأمجده وأجعل لها بيتا يأويها فتغدو ذات هيبة وبأس وتعود لقراءتها مرات ولا تكل.
ولكن هل تستحق مني فعلا كل هذا العناء؟ ( ومادمنا ندري أننا لا محالة سنفترق، لماذا إذن نجازف بالكتابة إليهم هل ثمة حقا ما يستحق) لأكون منصفة ثمة ما يستحق حقا فالكتابة تحررني منك فأجعل لك فيها مدفنا يليق بك أزوره من آن لآخر وأنثر عليه الورود حتى تحين لحظة النسيان فأبرأ.
أي عزيزي، أعلم أنك تتساءل عن علة غيابي وهجري ولكنك تنسى دائما و أكاد أجزم أنك نسيت…نظريتي في الحب ” انسحب دائما من قصص حب تحوم حولها الأشباح والظلال وتحيط بها عوالم خفية من الأسرار والكائنات المجهولة الغامضة ” فلا طاقة لي أن أتأرجح بين صد وإقبال ونسيان يعقبه اختفاء وهجر، سأرضي كبريائي بقصة بدأتها أنت وأنهيتها أنا.
قلبي لا يتسول النزر القليل فهناك أشياء لا تنال بالطلب فقط تكون أو لا تكون هذا كل شيء، أليس هذا نفسه ما خافت منه مي عندما كتبت لجبران: (الجفاف والقحط واللاشيء بالحب خير من النزر القليل … )، قلت لي حينها حاربي من أجلي إذن، كيف تتخلين عن حبك ببساطة؟ لا يا عزيزي حارب أنت من أجلي فدماء المحاربين تجري في عروقك ثم لست ”دون كيشوت” لأحارب طواحين الهواء فلا يجعلك غرورك تتخيل ذلك ولن أمنحك شرف التلذذ بحرب لا أملك أسلحتها ولا أعلم خصمي فيها فقر عينا.
عزيزي فلان ، جبل خيباتي المتراكم يقف شامخا بيني وبينك فلن أستطيع الاقتراب الآن، ربما إن التقينا في أماكن أخرى جديرة منا بالبقاء تتعانق فيها روحينا وتتراقص المنى واقعا لا لبس فيه، فتهديني ورودا جورية في فصل الشتاء، وتدعوني لنشهد الغروب من شرفة بيتنا كل مساء، وعندما يطوينا الليل تكتب لي معلقتك الخالدة ، متأكدة سترفع حاجبيك استغرابا كما فعل كافكا مخاطبا حبيبته ميلينا : ( لماذا تكتبين عن مستقبل يجمعنا وهذا ما لن يكون عليه مستقبلنا ؟ أم أن هذا سبب كتابتك عنه؟) ، دعني أحلم عزيزي لا تلمني على أحلامي فهي كل ما أملك فقد نعود يوما أحبابا وتُحسم على نبض الوصال جدلية الحب والرحيل.
في تلك الليلة الماطرة حلمت بك طيفا لا يلمس مددت يدي إليك ففاجأني الخواء، كانت كل الأزقة خالية وضوء ضئيل يعكس ظلي… لمحتك فجأة تسير وحيدا ناديتك مرارا ولم تسمع…واصلت السير واستدرت في منعطف الطريق جريت لألحقك فخانتني قواي حاولت الركض مجددا دون جدوى، للحظة التفت ورأيتني تأملتني طويلا ثم مشيت… رويدا رويدا بدأت بالتلاشي فأدركت حينها فقط أنك غدوت ” شهيا كفراق” .
فدوى اليعقوبي – مدينة مراكش
حاصلة على الاجازة في اللغة العربية، عاشقة للكتابة.
اترك تعليقا