حسن الرموتي كاتب، قاص وروائي مغربي لامع، عضو باتحاد كتاب المغرب – فرع مدينة الصويرة في كل نصوصه نكهة خاصة به، لذيذة ومائعة وشائقة معنى و مبنى، لبحر الصويرة دور في عشقه للسرد، و لحكاياته طعم البحر، يروي بشكل مفتوح وبوضوح في عوالم قصصية وروائية آية من الجمال.
” وسط هذا العالم المألوف و الغريب ايضا امتدت رحلتي ، كنت امد بصري في جميع الاتجاهات ، كان الماء المتموج احيانا ، و الهادئ احيانا اخرى يمتد حتى يلتقي بالسماء. في لحظات كثيرة لم اكن اميز خط الافق، اين ينتهي الماء و تبدا السماء. حين اعود بذاكرتي الى ذلك اليوم الذي ابحرنا فيه نحو المجهول و تركت ورائي مدينتي ، اهلي ،اصدقائي ،اتذكر اندفاع رفيقي ،اشعر بالخوف. الان و بعد اكثر من عشرين سنة ، اعترف ان ذلك لم يكن تهورا فقط بل جنونا ، جنون اقرب الى الخيال، انتحار بكامل الارادة. كيف لزورق صغير لا يتعدى طوله خمسة امتار، و بشراعين و مجدافين ان يبحر عبر المحيط ، عبر بحر الظلمات ، يقطع مئات الاميال البحرية دون ان يغرق او تحطمه الامواج العاتية “.
هكذا عبر الكاتب في هذه الأسطر عن مؤلفه “الامتداد الأزرق رحلة العبور” سنة 2013. لأنها قصة خارجة عن المألوف بل وصعبة التصديق ايضا. كان الدافع الأساسي لهذه الرحلة المشوقة هو التحدي والمغامرة.
منذ عقود قرر ابن الزرقة البحار العربي بامبار رفقة صديقه القيام معا برحلة عبر بحر الظلمات المحيط الأطلسي بواسطة زورق صيد صغير يوم 20 غشت 1989، من مدينة الصويرة إلى أمريكا الجنوبية والتي استغرقت مئة يوم وَسَط الأمواج حتى فقد الصديقان الأمل في النجاة.
لم يكن العربي صاحب الفكرة، بل صديقه محمد فوزي الذي قدم من مدينة الدار البيضاء إلى مدينة الصويرة باحثا عن بحار يساعده في تحقيق حلمه، الفكرة التي رفضها الجميع باعتبارها تهورا وخوفا من الموت المحتوم وسط البحر وتشكيك بحارة ميناء الصويرة المشهود لهم بالكفاءة في امكانية نجاحها. غير ان شغف المغامرة جذب العربي لخوضها حيث اعترف بان حساباته قبل الرحلة المجهولة المصير لم تكن صائبة، بالرغم من علمه بمكوثهم أياما طويلة في عرض المحيط الأطلسي.
بعد أيام من بداية رحلتهم تملكهم شعور بالندم حيث لم يستطيعا سابقا ادراك خطورة هذه المغامرة، كان البحار في بادئ الأمر يسجل الأيام على حافة الزورق بحفر علامة مميزة بواسطة أله حادة، لكن بعد ذلك تخلى عن تلك العادة عندما أصبحت الأيام بالنسبة له متشابهة، كان الحديث بينهما هو الوسيلة الوحيدة لنسيان الزمن الذي طال، و بعد نفاذ مؤنهم كانا يصيدان السمك بواسطة خيط للصيد’ ثم يفرغان أحشاء السمك و يضعاها تحت أشعة الشمس حتى تجف و جعلها بعد ذلك طعاما لهما’.
في خلال الرحلة واجهوا عواصف عاتية، أمواجا عالية، أمطارا غزيرة، لكنهما استطاعا النجاة بفضل حنكته و خبرته بالبحر. كان يعتمد على اتجاه الشمس، شروقها وغروبها في تحديد الاتجاه و بعض النجوم المتراصة في صف واحد ليلا ليتبع اتجاه الغرب.
وبعدما بدا المغامران يفقدان الأمل في الخروج من وسط زرقة المحيط إلى اليابسة، خصوصا وانهما بدا يعانيان من نقص في الوزن، إضافة إلى صعوبة في الحركة، و ان رحلتهما تجاوزت الثلاثة اشهر، لمح صديقه شيئا ما في عرض المحيط، اخبره بصوت مرتفع انه يرى شيئا بعيدا ربما صخورا أو جزيرة…
اعتقدوا بداية انه مجرد سراب، ربما غمام رمادي داكن اللون في الافق. لكنه في الحقيقة صف من الأشجار المتراصة. ليست شواطئ أمريكا كما أملوا، بل عالما خر جديد، دولة لم يسمعا بها من قبل.
عرفا بعد ذلك انها غويانا الفرنسية شمال البرازيل، بعد وصولها، اخبرا البحارة انهم قدما من المغرب وقطعوا المحيط في خلال اشهر عدة، لم يصدقهم احد الا بعد معاينة القارب من طرف رجال الأمن، و تحديد هويتهما بعد اجراء بحث للتأكد منهما و نقلهما بعد ذلك إلى المستشفى من اجل تلقي العلاج و الرعاية الازمة، ولذا خروجهما قدمت لهما أوراق اقامة مؤقتة.
افترق الصديقان قرر محمد فوزري العودة إلى المغرب، بينما البحار العربي قرر الاشتغال في الميناء وجمع قدر من المال و العودة بعدها إلى الديار.
وبعد اكثر من سنة وستة اشهر، استقل العربي طائرة من غويانا إلى باريس ومنه إلى المغرب، ولدى وصوله إلى مطار الدار البيضاء تم اعتقاله بتهمة الهجرة السرية. قضى مدة داخل السجن و بعد ان افرج عنه، عاد إلى مدينة الصويرة، و التقى بأسرته و اصدقائه الذين كان لديهم امل دائم برجوعه.
أخدنا هدا الكتاب في رحلة شيقة مليئة بالتحدي المغامرة والمثابرة لكم وددت ان يؤرخ على شكل فيلم وثائقي حتى نتمكن من عيش المغامرة مجددا.
غزلان زعيطر – خريجة برتامج الصحافيون الشباب لأجل إعلام ثقافي
بشراكة مع المركز الدولي للصحفيين ICFJ
اترك تعليقا