علي أومنال يكتب: الحلم الصيفي

13 فبراير 2021
 
تدثَّر علاء بإزار شفاف وخفيف يقيه من لسعات الناموس الذي يخيم على أفق القرية صيفا ، ونام نومََا عميقََا مستلقيا على ظهره في سطح منزلهم التقليدي الذي شيد منذ زمن الأجداد أعلى التلة، بدت له السماء وعيناه تقاومان النوم صفحة مزينة بالنجوم المتلألئة ، سافر في عوالم الأحلام اللامنتهية وسُجِّلَ اسمه ضمن لائحة الذين رُفِعَ عنهم القلمُ ؛ أحلام فصل الصيف مختلفة ومزعجة أيضا كما يقول الأجداد ، خيل إليه أنه سقط من مكان عالِِ أولا وطار بلا أجنحة ثانيا كما طرَده مجنون أو أحمق ثالثا، كل ذلك جعله يتصَفَّدُ عَرقََا وأصدر صوتا لعل أحد هواة الشخير يسمعه فينقذه إلا أن محاولاته باءت بالفشل، استيقظ و عقارب الساعة تقارب الثانية صباحا ، عَمَّ الصمتُ الرهيبُ سطح المنزل الضيق لا يسمع سوى نهيق حمار تردد الشعاب المجاورة صداه أو نباح متقطع لكلب بعيد ، استعان بمصباح هاتفه ، ومرر يديه على جسده، حتى تأكد من سلامته وتيقن أخيرا أنه مجرد حلم صيفي ، لعن الشيطان وقرأ آية الكرسي وقال : خيرا إن شاء الله ، وخلد للنوم من جديد…
زارته الأحلام المزعجة مرة أخرى فاحتبست أنفاسه في حلقه هذه المرة حتى كاد أن يبتلع لسانه من شدة الخوف الذي انتابه جراء رؤيته الأفعى السوداء التي زحفت على صدره وهو مستلق على ظهره تحت فيء(ظل) شجرة العرعار الضخمة في سفح الجبل المطل على وادي القرية ،خيل إليه أن شخصا قد وخزه بإزميل في قلبه فخارت قواه؛ وزعزعت أركانه؛ فلم يعد قادرا على الحركة رغم ابتعاد الأفعى عنه ، دبت قشعريرة في جسمه من أعلى الرأس إلى أخمص القدمين، بقي على تلك الحالة إلى أن هبت ريح غربية فأعادت إلى جسمه المنهك بصيص أمل من الحياة فتنفس الصعداء
و استجمع قواه بعد عدة محاولات… نهض و جسمه غارق في العرق كمن عوقب بالحفر في أحد أيام أغسطس (غشت) الشديدة الحرارة وانهمك في عالم الأحلام ،حتى أيقظه صوت المؤذن وهو يقول :الصلاة خير من النوم ،إيذانا بموعد صلاة الفجر ، فبئس الحلم حلم الصيف…ليلة عصيبة مرت قضاها صاحبنا بمفرده في سطح المنزل ، أرجع ذلك إلى الطاقة السلبية التي تخيم على المكان …
انجلت ظلمة تلك الليلة الليلاء وتلتها أنوار يوم جديد ، لم يستيقظ علاء حتى أيقظه حر الشمس نزل إلى السفلي حيث فناء الدار ومجتمع الأسرة ، الأم منشغلة في المطبخ كعادتها وكبرى بناتها تساعدها في غسل الأواني وطي الملابس ، أخذ وجبة فطوره وجلس القرفصاء أمام أمه وأخبرها بما رآه في منامه ، قالت : خيرا إن شاء الله ، لا تخف يا ولدي ستحقق مبتغاك بحول الله رغم حسد الحاسدين ، ذهبت الأم للتو إلى زوجة فقيه القبيلة امرأة تعبر الرؤيا وتفسر الأحلام على حسب قول بعض نسوة القرية اللواتي تعلمهمن أبجديات القراءة والحساب يوم الأحد ، لم تمر ساعة واحدة حتى عادت الأم وعلاء يأمل أن تفك ألغاز أحلامه التي أزعجته وحرمته حلاوة النوم ، أتقنت الأم جلستها في بهو الدار كعادتها وبدأت تسرد تفاصيل الحلم كما فسرته زوجة الفقيه موجهة الخطاب لابنها : فأما الأفعى في المنام فتعني كثرة من يحسدونك لذلك عليك أخذ الحيطة والحذر منهم ، فيما الأحمق والطيران في الحلم فتفسيرهما ما ينتظرك من من مجابهة الدهر مستقبلا فما عليك إلا التوكل على الله و مضاعفة الجهود لتجاوز ذلك بسلام ، طأطأ علاء رأسه في إشارة تومئ إلى الموافقة ، وانتعل حذاءه الجلدي هاتفا صديقه حميد لقضاء ما تبقى من عمر ذلك اليوم في بستانهم المطل على وادي القرية…
 
علي أومنال – مدينة خنيفرة

اترك تعليقا

لن يتم اظهار بريدك الالكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها *

: / :