عزيز حسنيوي يكتب: أضغاث أحلام

23 أبريل 2021
 



..رن هاتف “الحسين” المحمول، أراد أن يتفقد هوية المتصل – الذي لم يكن ضمن قائمة أسمائه- ، تأخر قليلا من شدة الفزع الذي أصابه في تلك اللحظة، حتى انقطع الاتصال! فتساءل مع نفسه: من المتصل يا ترى؟ يا للهول! نفذ حتى اعتماد مكالماته! ارتدى “الحسين” جلبابه البني وحذاءه الذي فقد لونه بعد سنوات من البريق، وحمل منجله كعادته واتجه نحو الغابة، بعدما أدى صلاته الوسطى وقبل رأس والدته التي كانت تسبحل وتحمد، في طريقه كان صوت الرعد يبشر بقدوم غيث، فرح فرحا شديدا؛ لأنه يحب أن يشتم رائحة التراب المبلل بالمطر، لكن ظل في حيرة من أمره، وتساءل: هل يعود أدراجه، أم يكمل طريقه إلى الغابة ويجلب لماشيته ما يقتاتون عليه، بعد تفكير عميق أكمل الحسين مسيره ووصل، وبعد هنيهة أخذت قطرات مطر خفيفة تهطل، مما جعل الحسين يسرع في جمع الكلأ، لكن بعدما منحته قطرات المطر أن يجمع رزمته، لم تمنحه بأن يغادر المكان بعدما اشتد سقوطها… فكر الحسين في مكان الاحتماء تحت النخيل، لكن السنوات العجاف التي مرت جعلتها تفقد اخضرارها، فصارت أشلاء هذه النخيل رمادا بعدما أنتجت رغيفا. ..

 

توسط الحسين رزمته جالسا واستسلم للحظة، ابتلت ملابسه، وشعره، وتذكر وفاة والده، وفراقه الذي ترك في المنزل شيخا كبيرا، وتذكر أمه العجوز كيف ضحت بشبابها من أجله قبل أن يكتسح الشيب فوديها، ولم تنعم بحياة أخرى مع بعل آخر. .. كما تذكر عطله عن العمل بعدما أنهى دراسته الجامعية وتكوينه المهني، فاختلطت أحاسيسه ودمعت عيناه.. كانت السماء قد أقلعت من هطول الأمطار الغزيرة، بينما الحسين لم يقو عن الحركة من شدة البرد.. سمع صوتا شجيا بعيدا يناديه: الحسين..! عرف بعد اقتراب الصوت منه بأنها أمه، التي جاءت تتفقد أحواله، حاملة في يدها معطفا ومنديلا لكي يجفف ما علق من شعره ووجهه من قطرات المطر، ضم الحسين والدته ضما حتى اغرورقت عيناهما بالدموع، فقبل يدها تقبيلا، وجففت عبراته وهي تخبره بأن هاتفه قد رن رنات عديدة جعلته يتساءل من جديد عن هوية المتصل.



 

 
حمل الحسين رزمته فوق كتفه كالمعتاد وأخذ يد أمه بلطف وعادا أدراجهما بخطى بطيئة خوفا من الانزلاق. وصل الحسين وأمه إلى المنزل، وما كاد يضع ثقله من كتفه حتى سمع صوت الهاتف يرن من جديد، هرول مسرعا وأجاب بلهف: ألو! سمع صوتا يشع ابتسامة يهنئه بقبوله في تلك الشركة التجارية التي كان يرغب في الولوج إليها محاسبا، وبأنه يجب أن يلتحق بعد أسبوع، فرح الحسين وأمه فرحا شديدا بهذا العمل الذي سيقيه نوعا ما من البطالة، ألح إلحاحا بأن ترافقه أمه وتترك حياة البادية، فقبلت طلبه بعد أخذ ورد، وفكرا بأن يتركا ماشيتهما لجارتهما “السعدية” مقابل أجر شهري، ولعل حقدها لهما جعلها ترفض طلبهما، مما جعل الحسين يبيع ماشيته بثمن بخس لم يقتنع به، لكن ظروفه لم تسمح له بإرجاع الماشية للمنزل، وبعد أن جاء اليوم الذي قرر فيه الحسين الرحيل رفقة أمه، حملا كل الأمتعة والحقائب، وركبا خلف العربة، فأخذ الحسين يلوح بيده ويصرخ بصوت مرتفع بعدما تذكر والده من جديد: “الله ارحمك الواليد”، فإذا بوالده يقهقه ضحكا ويوقظه بعدما غرق الحسين في نومه من شدة العياء في الغابة فوق السماد، ووالده يردد جهرا بابتسامة: بسم الله عليك! بسم الله عليك!.. ويردد سرا: “قتلني هاد المسخوط وأنا مزال حي”..
 
عزيز حسنيوي – مدينة مكناس
باحث في البلاغة وتحليل الخطاب
 



اترك تعليقا

لن يتم اظهار بريدك الالكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها *

3 comments on “عزيز حسنيوي يكتب: أضغاث أحلام

  1. إبراهيم أبريل 23, 2021

    مزيدا من التألق و العطاء

  2. أبو أنيس أبريل 23, 2021

    جميل، مسيرة إبداعية موفقة أخي.

  3. سعيد قدوري أبريل 24, 2021

    حلم اتضح أنه شبيه بما نعيشه نحن المغاربة حاليا.

: / :