إنها رائحة مميزة لا يخطئها أنفي، عندما تسافر قطرات المطر من السماء لتعانق الأرض بشوق و تداعب أنوفنا بعبير كأس عشقهما. السماء داكنة و الغيوم تواري ضوء القمر. حتى النجوم أظنها لن تزين السماء هذا اليوم، ربما هو يوم إجازة لها أو ربما هي حزينة لذلك تجمعت الغيوم حولها وأخذت تبكي. منذ ولادتي لم أر زرقة السماء و لم أمتع ناظري بتلألئ النجوم ولا ضوء القمر. حتى عبق المطر غزتها رائحة الرصاص. لكن أظن أن الغيوم كانت سعيدة لأن جميع الأطفال يبكون معها حتى و ان كانت دموعنا بطعم الدماء.
إنه يوم زيارة أمي لي و أنا أنتظرها بفارغ الصبر، فقد قالت لي أن الغزاة رحلوا عن أرضنا برؤوس مطأطأة منهزمة و أن الحياة ترقص بفرح على أنغام الطيور التي عادت للوطن و هي تشدو أعذب الألحان. هاهي تدخل فأنا أحس بخطوات قدميها، لكن هناك شيء غريب فهي لم تنطق بكلمة واحدة و أحس بعينيها العسليتين ترمقانني و أشعر بشهقاتها تتعالى. لقد تنهدت بعمق و أخيرا ستطلق سراح حروفها لتخترق أذناي بصوتها المختنق بالدموع:
– لقد توفي والدك اليوم يا ورد و توفيت أختيك كذلك.فقد قصف بيتنا بغدر يا بنيتي. أنا لست حزينة لأني أعلم أن دماءهم شهيدة الوطن. دافعو كما دافعت أنت قبلهم بحجارتك اللينة يا طفلتي؛ لكنهم تحت التراب الآن و أنت فوقه معلقة بهذه الأجهزة التي تطمئنني لسماع نبضك و سد جوع عيني برؤيتك حتى وان كنت ميتة بطعم الحياة…
إن هذا كثير علي، فأنا لا أستطيع تحمل بكائك يا أمي كما أني لا أتحمل سماع أنين وطني.أنا لن أستطيع رؤية أرضنا تنزف و سمائنا ترعد كل ثانية بمطر من رصاص. أنا لن أتحمل فهذا أكبر من طاقتي و من طفولتي.
لقد كذبت يا أمي عندما قلت لي أن أرضنا تحررت و أن الطيور المهاجرة عادت لتحلق في سماء الوطن. كذبت عن زرقة السماء و عن تلألئ النجوم. عشت متفائلة مقاومة لليوم الذي سأفتح فيه عيني لأرى الربيع يعود ولأفتح عيني على ضوء النهار بعد طول ظلمة الليل. لكن، جسدي الهزيل لم يتحمل و روحي تنقبض حاملة معها دمعة الوطن…
عزيزة سلاح – مغرب الثقافة
اترك تعليقا