اشتهرت موسيقى الراب في الثمانينات والتسعينات بالولايات المتحدة الأمريكية بتناولها الجريء والصريح لمواضيع ذات صبغة اجتماعية وسياسية، وبدفاعها عن الاضطهاد والميز العنصري الذي كان يعانيه الأمريكيون السود، والفقراء وكل من يعيشون في الهامش، واعتبرت احتجاجا وتمردا ووقوفا في وجه ظلم السلطة والمجتمع وتحميله مسؤولية الاوضاع المعيشية والحياتية وكذا الاجتماعية التي تعانيها هذه الفئات. اما في المغرب فقد ظهر هذا الصنف من الموسيقى في اواسط التسعينات لكنه لم يلق نصيبه من الاقبال والانتشار حتى الألفية الجديدة مع ظهور الانترنت و”اليوتيوب” اي منذ سنة 2003 وما فوق، الى ان اصبحت الآن موسيقى الراب بشكلها المغربي واحدة من عناصر الثقافة المغربية المعاصرة.
كان من أوائل من اشتهروا بهذا اللون الموسيقي في المغرب توفيق حازب المعروف بـ “البيغ” و”مسلم” الى جانب مجموعة “آش كاين” وغيرهم، حيث أصدروا العديد من الاغاني والالبومات التي استعملوا فيها لغة الشارع العامية البسيطة والمتداولة لدى جميع شرائح المجتمع، كانت تصل في بعض الأحيان الى استعمال كلمات حادة وبذيئة. الهدف منها تعرية الواقع المعاش وانتقاد الأوضاع الاجتماعية والسياسية وكذا الاقتصادية والمعيشية التي تعانيها الطبقات الاجتماعية الفقيرة والمهمشة. ومن ذلك (الفقر، البطالة، الرشوة، الفساد، المخدرات) الى جانب مواضيع اجتماعية اخرى منها الاسرية التي تجسد موضوع الوالدين والأم، والحب والرفقة والصبر والرجولة. فكانت بذلك موسيقى الراب هي الاقرب الى “ابناء الشعب” وأصبح صوت مغني الراب يعبر عن مكنونات .الناس التي لا يستطيعون البوح بها بصوت مرتفع
فقد اهتم رواد هذا النمط الموسيقي بمعالجة مواضيع تنتقد الوضع السياسي والمجتمعي الراهن، بلغة حادة وبكلمات ومصطلحات مباشرة وجريئة، الى جانب طرح العديد من المشاكل التي تمس المجتمع كالفقر والبطالة والميز الطبقي. وأضحى احد أشكال الاحتجاج ضد ما يسمى “الحكرة” والظلم وعدم إعطاء أي اعتبار للطبقات الفقيرة وما تعانيه من تهميش ومعاناة اجتماعية وانسانية. فكانت بذلك “موسيقى الفقراء” ولسان حالهم، ووسيلتهم لإيصال كلمتهم فهي اللون الموسيقي الذي لا يعطي أي اعتبار للكلمة إن كانت صريحة، قوية، حادة او بذيئة ما دامت تعبر عن حقيقة ووضع اجتماعي او سياسي قائم، فهي الموسيقى التي تقول ما لا يمكن قوله.
منذ سنة 2010 ومع الانتشار الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي، التي سهلت نشر الأغاني والمقاطع الموسيقية، ما فتح الباب امام الكثير من الشباب المولعين بهذا اللون الموسيقي الى إصدار العديد من الأغاني ولم يعد هذا النمط الموسيقي حكرا على اشخاص محددين، والعنصر النسوي هو الآخر أصبح جزءاً من هذه اللعبة. حتى ان موسيقى الراب الان انفتحت على العديد من المواضيع المختلفة، فلم تعد تصور كما في بدايتها الوجه الاسود للمجتمع فقط، بل أضحت تجسد ايضا اهتمامات الشباب ومغامراتهم وحياتهم وكذا معاناتهم الخاصة. كما أصبحت أسلوبا للصراع بين مغني الراب او ما يسمى بـ “الكلاش”. لكن بقي الراب الحقيقي والذي يلقى اقبالا جماهيريا وانتشارا كبيراً هو الراب الواقعي المعبر والمكسر لجميع الطابوهات والمعري للواقع ولما تعانيه الطبقات المسحوقة في المجتمع.
من بين المغنيين الذين اشتهروا في هذه الفترة، مغني الراب معاذ بلغوات المعروف بـ”الحاقد” والذي كان احد أبرز الأصوات الفنية التي عبّرت عن طموحات حركة 20 فبراير وعن الهم المغربي بشكل عام. حيث عُرف بتناوله لمواضيع الحرية والكرامة، وحقوق الإنسان، والتسامح والعدالة الاجتماعية، وعن كل المشاكل التي يعاني منها الإنسان المهمش تحت وطأة القمع والاحتقار. كما حرّض في أغانيه المغاربة على الثورة في أغنيته “إذا الشعب يوما أراد الحياة”. الشيء الذي تسبب في سجنه لمرات عديدة، خاصة بعد إطلاقه لأغنية “كلاب الدولة” التي انتقد فيها الشرطة المغربية.
بعد سنة 2011 وما عرفته هذه الفترة من اضطرابات تزامنا مع أحداث “الربيع العربي” وبعد تغيير الدستور في المغرب والاستجابة لمطالب حركة 20 فبراير عرف الوضع المغربي نوعا من الاستقرار، ولكن في نظر العديد من مغني الراب، فهذه المرحلة لم تأت بأية نتائج تذكر، فالوضع الاجتماعي والسياسي استمر على حاله، وما طالبت به حركة 20 فبراير لم يتم تنزيله على أرض الواقع. ما جعل موسيقى الراب تستمر في نضالها وتناولها المستمر للمواضيع التي تهم مصالح الطبقات المسحوقة فهي “صوت الشعب” وتعبير من لا قدرة له على التعبير.
لا زالت إلى الآن موسيقى الراب في المغرب تعرف تميزا عن غيرها من الألوان الموسيقية ولا زال روادها، يعتبرون أنفسهم “صوت الشعب” ولسان حالهم. وبالرغم من التطورات والتغييرات التي عرفها هذا اللون الموسيقي، لا من حيث المواضيع او الاساليب والآلات والإيقاعات الموسيقية المستحدثة، فمن حيث الموضوع، فهو متمحور حول ثلاث تيمات، “تيمة الحياة” وما تحمله من معاناة خاصة وتجارب ومغامرات حياتية، وتيمة الكلاش” اي الصراع والتنافس الذي يكون بين مغني الراب انفسهم، ثم “تيمة التعرية والاحتجاج” وهي المميزة لهذا الفن، وهذا ما نلمسه في الكثير من الكليبات الغنائية للعديد من مغني الراب المغاربة من أمثال” الگناوي” و”ولد الگرية” و”لزعر” الذين اطلقوا مؤخرا اغنية بعنوان” عاش الشعب” التي احدثت ضجة اعلامية كبيرة ولقيت إنتشاراً واسعا، وصلت الى ملايين المشاهدات واحتلت صدارة الفيديوهات الأكثر مشاهدة في المغرب.
بغض النظر عن الانتقادات والتناقضات التي تلحق موسيقى الراب وما يعاب عليها من توظيفها لكلمات (نابية) وحادة في بعض الاحيان من اجل التعبير عن فكرة معينة، الشيء الذي قد لا تقبله بعض الفئات الاجتماعية، علاوة على تجاوزها الخطوط الحمراء والحدود المرسومة لحرية التعبير، التي قد تصل احيانا الى حد المس بالمقدسات، ولكن ما يمكن قوله في هذا السياق هو ان هذا النمط الموسيقي منذ ظهوره في الولايات المتحدة الأمريكية وانتشاره عالميا، الى ان وصل إلى المغرب كانت واقعيته وجرأته الزائدة هي ما يميزه عن باقي الانماط الاخرى، فما تجده في موسيقى الراب وما تتناوله من مواضيع لا يمكن ان تجده في اي لون موسيقي آخر، خاصة وانها ارتبطت تاريخيا بفئات اجتماعية محددة ما جعلها موسيقى الشعب وصوت الشعب بامتياز.
اترك تعليقا