عبد اللطيف ضمير يكتب: الحزب الشيوعي الذي قتل روح الإبداع الأدبي

14 مايو 2021

لقد أدى انهيار روسيا القيصرية وما رافق ذلك من ثورة، وما تمخض عنه العالم بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، إلى تغير العديد من الأمور في روسيا وأوروبا، قلبت الموازين وتغيرت الخريطة السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية لذى الكثير من دول العالم، فكانت النتيجة الكبرى سقوط النظام القيصري في روسيا وقيام ما سمي فيما بعد بالاتحاد السوفييتي، الذي حمل على أكتافه معركة إعادة صياغة المجتمع الروسي من جديد، وإخراجه من براثن الماضي القيصري.

هذا المجتمع الجديد الذي بني على أسس الماركسية اللينينية التي حاولت الاستفراد بكل شيء، وجعل الحزب الشيوعي هو المتحكم الوحيد والأوحد في المجتمع الذي تطوع لقتال النازيين والمشاركة في الثورة البلشفية، وحمل قضية الخلاص على عاتقه ما شاء أن يحملها، ليخرج من جحيم إلى جحيم ثاني أكثر وحشية من سابقيه، الأمر الذي جعل الطبقة المثقفة والكتاب والشعراء في مواجهة مباشرة مع هذا الحزب الشيوعي الساعي إلى قتل روح الإبداع الأدبي والفني والثقافي.



لقد سعى الحزب الشيوعي إلى الظهور بهالته القوية في ثوب المتحكم في زمام الأمور، حتى لا تنحرف الثورة العظيمة التي قام بها عن المسار الذي حدد لها سلفا، فكانت الأفكار المتداولة بين الناس في المجتمع الروسي هي أفكار وآراء أنتجت سلفا من قبل الحزب وتم توجيهها لخدمة أفكاره، وما يتناسب والقائد العظيم والمنظم للشعب، وكل محاولة غير ذلك اعتبرت خرقا سافرا لقواعد النظام الماركسي، فكان قادة الحزب يحاولون جاهدا ممارسة السلطة على الآداب وفرض الرقابة الصارمة على الكتاب والشعراء ودور النشر والتوزيع، على المجلات والجرائد، مخافة تسلل التأثير الأدبي والفني والثقافي القادم من دول العالم إلى عمق المجتمع الروسي.

فأي دخول أدبي وثقافي، قد يشكل خطورة على الحزب الذي لم يكن يتمتع بشعبية كبيرة، إلا بسبب الخوف وما مارسه الشيوعيون من أفكار عديدة على المجتمع الروسي الذي تقبلها مكرها في غالبيتها، حيث أرغم هذا المجتمع على نوع معين من الأدب والشعراء والفن، أدب بسيط يخدم اتجاهات وأفكار الحزب، بحيث يعمل الفن والأدب والشعر، دون أن يفشل ما تم تحقيقه كما قال خروتشوف في الكثير من خطاباته.

إن عمل الحزب هو جعل الماركسية اللينينية هي الموجه والقيادي وهي الرائدة في ميدان الأدب و الفنون، و إرغام الفنانين والأدباء والمفكرين والمبدعين والمترجمين على إنتاج الأعمال الأدبية والفنية وفقا لأهواء الحزب وما يريد، فكان الكاتب والفنان ينتج أشياء كثيرة تافهة لا قيمة لها ودعاية لا يمكن هضمها، تحت الضغط الماركسي الممارس عليهم، والقليل منهم من نجح في التعبير عن آراءه وما يروج له في المجتمع الروسي بنوع من المعارضة والامتعاض، التي شكلت خطرا كبيرا على الحزب رغم قلتها، فالحزب ينظر إلى الفنان والمفكر نظرة شر يصعب التغلب عليهم وعلى الأفكار التي ينتجونها ويسوقون لها، ولذلك فوجودهم في اعتقاده شر لا بد منه لكن وجب العمل على تدريبهم ليكونوا على طاعة بينة لخدمة الماركسية اللينينية التي كانت تنظر إلى نفسها على أنها الأكثر رقيا وتقدما على باقي المجتمعات الأخرى.

لقد ولدت موجة جديدة من رحم معاناة الكتاب والشعراء والأدباء، واضحت موجة يصعب القضاء عليها، لم يضع أحد قائمة لأبرز هذه الأسماء الكبيرة التي عانت ما عانت ولم يتحدث الكثيرون عن الكتاب والشعراء الذين أعدمتهم الشيوعية ويبلغ عددهم الآلاف، بالإضافة إلى الذين تم سجنهم ومصادرة أعمالهم وحرقها، والعديد منهم كانت أسماءهم في القائمة السوداء التي مورست عليها ضغوطات نفسية رهيبة، كما أن قائمة المجلات والصحف وعدد كبير من الكتب القيمة التي كانت ستغني الرصيد الأدبي والفني والثقافي العالمي، وتعرف البشرية على صفحات من تاريخ الماركسية المظلم، تم إخفائها أو حرقها، فأدب هذه المرحلة أغلبه طوته أيادي الحزب الشيوعي وتحول إلى رماد، ليس فقط في روسيا وحدها ولكن في المجتمع الذي كان يتبع لها من دول شرق أوروبا إلى الصين والفيتنام وكوريا الشمالية، والعديد من الدول العربية الإسلامية، وحتى في أمريكا اللاتينية والوسطى، لقد كانت جريمة في حق الأدب في سبيل تحقيق أهداف الحزب الشيوعي.

و للكتاب الروس والسوفييت الذين هوجمت كتبهم وتمت مصادرتها ولم يبلغنا منها إلا القليل مما سمح به الحزب الشيوعي، نذكر على سبيل المثال لا الحصر، بلنياك و زوشانكو و ايخاتوف و دودنتسيف و باسترناك، وكل من كانت لهم علاقة بهم أو تأثر في بلد من البلدان التي تخضع للرقابة الشيوعية ويسيطر عليها الفكر الشيوعي، بحيث أن البلدان الواقعة في فلك الشيوعية من الصين شرقا وإلى لتوانيا غربا، مارست هجوما شرسا على الكتاب والشعراء والأدباء من قبل اللجنة المركزية التي كلفت لهذه المهمة، وتم اتهامهم بأنهم يفتقرون إلى روح هذا الصرح العظيم الذي يريد أن يكون عالما جديدا أفضل مما كان عليه في السابق، وأن هذه الشريحة هي في الحقيقة حقودة تبحث فقط عن الأخطاء والثغرات لإفشال هذا المشروع، تقف أمام تحقيق هذا الحلم، وهم بذلك أعداء إرادة الشعوب.



لقد عاش الحزب الشيوعي نوعا من التناقض في موقفه وتعامله مع الأدباء والكتاب من خلال سياسته الهادفة إلى السيطرة على الأدب ويصر تمام الإصرار على التحيز إلى الأدب الذي يخدمه مطامحه دون النظر إلى الإبداع والموهبة التي كان تميز أعمال الآخرين، ويجاهر علانية بكرهه للعبقرية الفردية، فكل فرد يجب أن يكون مبدعا خلاقا داخل جماعة الحزب، حيث يكون هناك نوع من التشابه بين المضمون والمحتوى، وأي تحليل أو تأويل خارج السياق الذي يريده الحزب الشيوعي سيعرض صاحبه للتوبيخ، فالدكتاتورية الشيوعية والأدب متناقضان من الأساس، ولا أوجه تشابه بينهما، فالكاتب والفنان والعبقري هم أعداء الحزب الشيوعي وذلك بسبب طبيعة كل واحد منهم في التعاطي مع الأمور التي يريدها الحزب، واللغة التي يكتب بها هؤلاء ويعبرون بها هي الأداء الحزبية الشيوعية التي يمتلكها الحزب لتمرير خطاباته.

عبد اللطيف ضمير – مدينة الجديدة



اترك تعليقا

لن يتم اظهار بريدك الالكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها *

: / :