جلس الوالد على مقربة من شرفة النافذة، يتصفح جريدة الصباح، ويتملى بطلائع فصل الربيع، وبشائر الخضرة والإخضرار، وعلى جانب منه،وقف إبنه يونس، كظله لايفارقه.
وفجأة، لاحت في كبد السماء، اسراب طيور عابرة سابحة في الفضاء، أثارت انتباه الإبن.
راعه منظرها، فأخذ يلوح بكلتا يديه، فرحا مرحا، وتمنى ساعتها، لو كان له جناح الطير، لطار معها.
وظل يرقبها ويرقبها، إلى أن توارت عن الأنظار.
إلتفت الإبن إلى والده، عقد شفتيه عابسا: اريد طائرا…
لم يعتد الأب رفض طلبيات إبنه، لكن هذه المرة تجاهلها ولم يكثرت لها، وواصل تصفح الجريدة.
إلا أنه وأمام إلحاح الإبن، وتورد وجنتيه، لم يجدالوالد من سبيل سوى الإذعان لرغبته بل الإذعان لشطارة البائع وكذا سحر الطائر.
أقبل يونس على القفص، جلس قبالته يتفرس في الطائر، في ألوانه الزاهية، يتابع حركاته، يبسبس له، ويغدق عليه الحب بسخاء لعل الطائر، يجود عليه بزقزقة أو حتى برفرفة.
عاف الطائر كل شيء، لايأكل، لا يشرب، لايرفرف بجناحيه، منكمشا على نفسه.
طارت طائرة يونس، فحاول استفزازه، لكن الطائر ظل ساكنا، لايبدي حراكا.
وهنا تلمس يونس القفص، فإذا هو اسلاك، ومتسع ضيق، لمأكل الطائر، ومشربه، وتبوله، ورفرفاته.
حز في نفسه أن يرى هذا الطائر، قيد هذه الأسلاك، حبيسا محروما من حريته، أسوة بأمثاله، الذين ماخلقوا، إلا لهذا الفضاء الفسيح.
وبدون أدنى تردد، فتح القفص، وأطلق سراح الطائر.
ومن ذلك الحين، وكلما تطلع يونس إلى السماء، وتصادفت عيناه أي طائر، الا ويهتف وبأعلى الاصوات:
إنه طائري…إنه طائري…
وكأنه أطلق الطيور جميعا.
عبدالاله ماهل – مدينة الدارالبيضاء
اترك تعليقا