– في المسرح-
يرفع الستار، وإذا بشبح يجلس القرفصاء، يتوسط القاعة. لحظات، موسيقى تنبعث في تدرج الى الأعلى. يتحرك شبح في تموهات جسدية، ويسمع صوت مبحوح، ليغدو الكل في تناسق بديع:
تساؤلات واستفهامات تراودني، ولاترحمني فتقلقني، ولا من أحد يفهمني، عكرت صفو راحتي وسكينتي، وطردت النوم من اجفاني، فبات الليل والنهار سواسية في اعيني.
فلا التنهدات ولا العبرات، بل ولا الآهات، أشفتني من عليلي وعلتي.
نعم تساؤلات تراودني، فلم أجد في جوابها من يشاطرني، رموني ولم يفهموني، فدعوني دعوني، فقد سئمتكم ويئستكم فبئس أنتم.
تساءلت عن الألوان في بني الإنسان، فما ظفرت إلا بالكره والتنافر في بني الإنسان، فلا هذا يرضى بذاك ولا ذاك يرضى بهذا.
أهي الطبيعة ارتضت هذه الألوان في بني الإنسان، أم بنو الإنسان ارتضوها لأنفسهم.
فإذا الطبيعة ارتضت الألوان، أبيضا أسودا أحمرا أصفرا، فظلمها أخف وطأة وأرق وقعا، من ظلم بني الإنسان لبني الإنسان.
فترى الحقد والعداء في اللون الواحد، فما بالك ببقية الألوان،
فكل لون خلق ألوانا، وكل من خلق الألوان سمي سيدا، فوامصيبتاه وياظلماه!!!
فلا هذا ولا ذاك، تحديا للطبيعة ولبني الإنسان، أرفض الألوان وأقول يا أناس فأنا من بني الإنسان.
فبربك أنت يا لائمي، أترضاني لأحد الألوان، وبك أنت ابدأ بالعداء.
تساءلت عن سر الألوان في الطبيعة وفي بني الإنسان، فقيل لي أنها سنة الحياة، وضرورة لصيرورة الحياة من حال الى حال.
فعجبت إذ ذاك، لحالي وحال زحمة الألوان وصراع الألوان وتقلبات الألوان، فخفت على نفسي واعتزلت الألوان، وانزويت بعيدا بعيدا !!!
فإذا بنفسي، كئيبة حزينة، وكأنها تاقت الألوان وذكرى الألوان.
وعلى غير بغتة، أجد نفسي وحمى الألوان، رهينا حبيسا، وما أدراني أنها الألوان، وبدأ الصراع بين رفض الألوان وذكرى الألوان.
وأصبحت في حيرة من أمر الألوان، وطالت الحيرة حتى غدت الألوان، حقيقة لابد منها، وابتلاءا يكوى تاركه، بنار الحيرة وما أدراك ماهي.
وإذا بي في خضم الألوان، لعبة بين هذا وذاك.
تساءلت عن الوجود، رجعت لعقلي أستشف منه جوابا. فوجدته حبيس خمس، عاجزا عن الجواب.
فخضت في دنيا الإفتراض، وتخطيت كل الحدود، الأزل والأبد، وكلما وقع الإستقرار على فرضية، إلا وأجد نفسي ساقطا في المتناقضات، ولعبة بين هذا وذاك.
خيب ظني في قدراته، في ألوهيته، وتركني في حيرة شارد الفكر، طائش الوعي لا أدري رأسي من قدمي.
قيل لي، أنك ستلقى بقلبك ما عجز عنه عقلك.
فناديت قلبي، وقلت رحماك يا قلبي، فذاتك في داء، فلا تبخل بالدواء، وما لبى النداء وأبى ان يطاوعني، وهتف في صمت قائلا: أيا انت… من أين إلي الرشد، وكأنك تهرب من الواقع لتحتمي بالخيال، معادلة صعبة نتيجتها صفر.
فعجبت إذ ذاك، لأناس طاوعوا القلب، وضلوا سبيل العقل، ورموه بالضعف والجحود.
بل عجبت لأناس، سئلوا فأجابوا بقلبهم، وتنكروا لعقلهم سهوا وعنوة.
فقل لي يا لائمي، ما العمل ما الحيلة وما السبيل للتكيف معهم، ويا ليتهم قليلون…
رجعت إلى التاريخ وخضت في دربه الطويل، فإذا بي والتاريخ بحر عديم القرار، تتداعب أمواجه مدا وجزرا، ومن غير كلل ولا ملل، لتتكسر على شطي، فتخطف وبصري، محدثا لغزا يستحال فكه.
فقيل لي عن أصل الكون، فكرة
وهنا استحضرت من خلالها قول ألله تعالى: كن فيكون.
وما أن حاولت استسغاء هذا الاستحضار، حتى جيء لي بقول، جعل من المادة أصلا للكون.
فهل يا ترى، الى اين المسار، قولان متضاربان، كل بتحليله وكل ببرهانه، فأي القولين آخذ وأي منهما أرد، فالمثالي تدرع بالسما، والمادي تدرع بالثرى، وبقيت أنا وحدي، في دوامة من أمري، لا أدري رأسي من قدمي، ولعبة بين هذا وذاك.
تساءلت عن تساؤلاتي وعن سر تساؤلاتي، فأين مصدرك أين منبعك، اريد ري عطشي، اريد راحتي وسكينتي، بل اريد تقصي حقيقة تساؤلاتي.
فمن أين لي بمثل هذه التساؤلات.
أمن الغيب أمن الواقع؟؟؟
إنه الغيب، لا ثم لا، فعقلي لا يؤمن بالغيب، فبالاحرى ان ينصت للغيب.
إنه من الواقع، ربما نعم، بل لما لا، فما تلك التساؤلات الا من هذا الواقع المعاش.
هذا الواقع الذي أحياه، وأتواجد به من خلال السؤال.
لكن ما فائدة السؤال واستحالة الجواب.
أهي لعبة السؤال والجواب؟؟؟
هنا رجعت لنفسي، وتساءلت عن وجودي في هذا الوجود، فإذا به، بداية ونهاية.
وبين هذا وتلك، انا أحيى، هيكلا وروحا.
وهنا تذكرت أبي وأمي، ورحت إلى المقابر، استشف من مأواهما ،عبرة تذكر.
فاذا بي، عدم بدونهما، وهذه هي البداية.
وتساءلت عن نهايتها، فوجدتهما هيكلا، توارى في التراب، وغدا في عالم كان.
فعجبت لأمر الروح، كيف هان عليها، فراق الماوى ونكران الجميل.
فهل يا ترى. الى أين راحت.
أغدت من عالم الجن والجنون، أو نزلت طفيلية على هيكل به روح تنبض، خالقة به انفصاما، ام استقرت إلى حيت لا أدري ولا ندري.
فبرك انت أيتها الروح، من أين أتيت، والى أين سرت، وما هو لونك، بل ما هو انت، أصلا وفصلا.
سؤال، لا يجديني الغوص في فرضياته، إنه السؤال الأكبر، إنه السؤال الأكبر، إنه السؤال الأكبر.
يخفت الصوت وتوابعه تدريجيا، ويعود الشبح إلى جلسته القرفصاء.
يسود صمت رهيب، وفجأة يسمع صوت حنين مجود:
بسم الله الرحمان الرحيم،
يسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا.
صدق الله العظيم
ينهض الشبح في ذهول، ويداه ووجهه إلى السماء، وهو يردد وبخشوع: الله أكبر، الله اكبر، الله أكبر.
ويستدل الستار
النهاية
عبدالاله ماهل – مدينة الدارالبيضاء
اترك تعليقا