كان يوم الأحد والساعة تشير إلى الثالثة بعد الزوال، خرج الحسين من منزله. ذو اللحية البيضاء الطويلة، وأسنانه المتخززة، وثيابه الرثة. يعمل خادما لدى السيدة فاطمة منذ سنوات مضت، ويطبع الحس الفكاهي على شخصيته؛ حيث يضحك ويتكلم مع الجميع دون التمييز بين الصغير والكبير، وبين الغني والفقير. فتوجه إلى الضيعة الفلاحية التي تبعد عن منزله بربع ساعة تقريبا، والتي يقضي فيها معظم أوقاته. طرق الباب ببطء شديد، نبح الكلب على الطرق. سمعت الخادمة محجوبة صوت النباح والباب. فتحت له الباب، وتبادلا التحية. سألها عن الحاجة فاطمة، قائلا: أين الحاجة فاطمة؟ أمحجوبة.
فأجابت: هي نائمة الآن، كانت تبحث عنك منذ ساعة.
-ماذا قلت لها؟
-ذهب إلى المدينة لاقتناء بعض الأغراض المنزلية.
-حسنا.
عادت محجوبة إلى مطبخها، وعاد هو إلى الحظيرة ليتفقد البهائم والغنم، ثم أعطاهم القليل من التبن.
نادت عليه محجوبة وهي في المطبخ. قائلة:
– أخي الحسين؛ أريدك في كلام مهم.
-نعم، أسمعك يا محجوبة.
– اليوم سمعت الحاجة تتكلم في الهاتف عن الكنز الموجود في الفيلا.
-أي كنز هذا. هل رأيت حلما البارحة؟ وتقولينه لي الآن.
-والله أني صادقة في كلامي-أخويا الحسين- لقد سمعتها تتكلم.
لم يهدأ بال الحسين حتى استفسرها عن كل التفاصيل.
– أين يوجد هذا الكنز؟. أ محجوبة.
– إنه موجود في الحظيرة. أجابت.
-أممم، لهذا كانت الحاجة فاطمة تزور الحظيرة دائما.
بعد أن أخذ كل التفاصيل المتعلقة بالكنز، خرج مسرعا إلى الحظيرة؛ دخل وهو يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، طاف جيئة وذهابا؛ لعله يجد ما يبحث عنه.فكر مليا، دون علم الحاجة فاطمة وخادمتها محجوبة، في كيفية الوصول إلى الكنز. أخذ قسطا من الراحة. شرب الدكة، وارتشف الكشكوكة بكل قواه. وهو يحاول الإجابة عن عديد الأسئلة. بصقت عليه البطة السوداء في رجله. اكفهر وجهه غضبا. قفز من مكانه، ثم غسل براز البطة بالماء.
اتصل الحسين بالفقيه الرداد بعد تفكير عميق في الحل المبهم. حكى له ما حدث، ثم اتفقا الإثنين معا على موعد اللقاء وهو اليوم التى تكون فيه الحاجة فاطمة مسافرة عند أحد بناتها.
وفي زوال يوم الإثنين، جاء الفقيه إلى الضيعة. طلب كأسا من الزيت الزيتون، والقليل من الجمر، أحس الحسين بخطر ما، ربما تستيقظ محجوبة من النوم، وتجدهم.
بدأ الفقيه يجوب الحظيرة، وهو يعزّم عن الكنز بمجمره، ويرشّ البخور. تنهد الحسين تنهدتين، شعر باختناق شديد. خرج يستنشق الهواء.
ناد عليه الفقيه، قائلا:
– يجب أن تحفر الآن، لأن الكنز موجود هنا
قبض الحسين الفأس، ثم شرع في الحفر. والفقيه يذكر بعض الرموز، لا يعرف الحسين معناها، ولا يحتاج إليها أصلا. استراح بعد عناء الحفر، ثم عاد.
واصل في الحفر، حتى سمع الفقيه يناديه، هذا يكفي، لقد وصلنا إليه. ابتعد يا حسين.
رأى الحسين الكنز، فطمع فيه. حاول الفقيه مسكه، هو عبارة عن صندوق حديدي، متوسط الحجم. ترنح الحسين حتى اختلط عليه الحابل بالنابل. اسرع أيها الفقيه.
أنجز الفقيه المهمة على أحسن وجه. اقترب الحسين من الصندوق. دفعه الفقيه بيده. لا تلمسه حتى تعطيني مستحقاتي.
-هذا لا يخفى علينا، سأعطيك ما تطلبه، قال الحسين.
-حسنا!
حاولا معا فتحه بالفأس والمطرقة. استعصى عليهم الأمر بفعل الصدى الموجود عليه. بعد عناء الضرب والرشق. بعج الحسين والفقيه الصندوق.
كانت صدمة كبيرة عند الحسين. كان في الصندوق أغراض عاشوراء قديمة. ضحك الفقيه لتعاسة المنظر. تعصب الحسين حتى احمرت وجنتيه، فهز الفقيه من جلبابه وهو يجري به في الطريق، ثم دفعه إلى الخلاء. استمسك أنفاسه بعد ذهاب الفقيه.حيث رجع إلى الحظيرة، فكانت هناك صدمة ثانية قوية، هجع دقيقتين، ثم استفاق.
صندوقان. حبى الحسين على ركبتيه. قبض على الصندوق الثاني بكلتا يديه؛ ففتحه بسهولة، حيث المعدن النفيس. فر بالسيارة هاربا، وبهلوسة مجنونة. بلغ منزله، وخبأ الكنز في بيته. دون علم أحد. فماذا سيفعل به؟
استلقى على السرير، يفكر في الحدث الذي جرى له اليوم. كيف وقع كل هذا؟ أهو نعمة من الله عز وجل أم شيئا آخر؟. إن مع العسر يسرا. سنوات كثيرة وأنا خادم الحاجة فاطمة، لم أشعر بالغضب يوما. دائما متفائلا ومبتسما. آن الأوان، لأبدأ حياة جديدة، بعيدة عن صخب المزرعة، والماشية، وغيرها…، سأتفرغ إلى عائلتي الصغيرة؛ لأنهم يحتاجونني كثيرا، سراء وضراء. كثيرة هي الأشياء التي لا علم لي بها عن أبنائي الأعزاء.
أخذ قسطا وافرا من الراحة، ثم جمع أسرته التي تتكون من زوجته أم الغيت، وابنته فاطمة الزهراء تلميذة في الثانوية، وابنه معاذ طالب في الجامعة.
اجلسوا جميعكم، بدأت على ملامحهم الشك والحيرة. أريد أن أخبركم بأمر ما. أجابت زوجته أم الغيث: ما بك يا حسين؟
-لا تخافوا، الأمور تسير على ما يرام.
نزع الغطاء عن الصندوق، وفتحه. فاستغربوا كثيرا. من أين أتيت بهذا كله؟ قالت فاطمة الزهراء.
حكى لهم ما وقع بالتفصيل المفصل، فرحوا فرحا كبيرا، وأشرقت السعادة على وجوههم، حتى قال ابنه:
وما الدنيا سوى حلم لذيد تنبّهه تباشر الصباح
فأجابته أخته: يا معاذ، صدقت في كلامك.
وفي لحظة؛ شرعوا في سرد أحلامهم التي يريدون الوصول إليها وهم يتلمسون الجواهر بأيديهم. فقال لهم رب البيت: أوصيكم وصية، هذا السر يبقى هنا، لا أريد أحدا أن يعرف ما جرى لنا. هذا نعيم من المال، سنعيش منه ونتصدق به.
-كن في أمان الراحة، نحن نواعدك، هذا رزق من الله. قال معاذ.
ثم أضاف:
إذا المرء لم يخزن عليه لسانه فليس على شيء سواه بخزّان
ضحكوا ضحكتين، ثم قالوا: أيها الشاعر، صدقت.
عبدالإله بلخناتي – مدينة البئر الجديد
اترك تعليقا