كثيرا ما نتكلم عن الأدب المغربي وصعوده القوي خلال السنوات الأخيرة، وهيمنته على الساحة الأدبية العربية التي ظلت إلى وقت قريب تحت رحمة الأقلام المشرقية، من كتاب مصر وبلاد الشام، وهذه السيطرة ليست وليدة الصدفة ولم تأتي من فراغ، فهذه الدول العربية عرفت تطورا علميا كبيرا قبل دول المغرب الأقصى، فقد ساعدها في ذلك الإستعمار الفرنسي والإنجليزي، وكل الحملات التي قادها الصليبون ونابليون على هذه الدول، فظهرت المطبعة والمدراس، وتم تأسيس الجامعات، وتحولت هذه الدول إلى منبع العلم والحضارة، فيما بقي المغرب الأقصى بعيدا عن كل هذا التقدم، وإن كانت هناك بعض المحاولات الأدبية القليلة التي جاءت مع ظهور جامعة القرويين بفاس المغربية، ثم الزيتونة بتونس.
وأمام كل هذه التحديات والظروف الصعبة وما عرفته دول المغرب الأقصى من انتكاسات كثيرة، وتأخر في النبوغ الأدبي، إلا أن صدى المشارقة كان له تأثير كبير على هذه الدول التي حاولت أن تنهض من رمادها وأن تسير على نهج دول المشرق، وأعني هنا كل من سوريا ومصر، والعراق أيضا، لكن هذه المحاولات ظلت محدودة ولم ترقى إلى المستوى الذي كان يطمح إليه المغاربة، خصوصا بعد الإشعاع الكبير الذي أحدثته جامعة القرويين، والعلماء الذين تخرجوا منها، ثم الوفود الخارجية التي كانت تأتي إليها من الأندلس، ومن مختلف الدول العربية والإفريقية، لكن هذا الإشعاع لم يكن فياضا في المجال الأدبي كونها كانت تركز كثيرا على الفقه وأمور الدين والمنطق، كما كان لها دور بارز في المحافظة على اللغة العربية ونشر الإسلام في أفريقيا وغيرها.
وإذا ما بحثنا في تاريخ الأدب المغربي، الذي بات يهيمن على الساحة الأدبية العربية، من خلال الرويات التي تصدر كل عام، فإننا سنقف عند البدايات الأولى والإرهاصات التي أسس لولادته أمام هذا الكم الهائل من المدارس الشرقية الكبيرة، فنجد على أن أدب المغاربة له باع طويل وتاريخ عريق، بحيث ترجع نشأته إلى عصر الدولة الإدريسية التي حكمت المغرب خلال القرن الثاني هجري، مع الخطابات التي كان يلقيها القادة المغاربة الفاتحين للبلاد المفتوحة، كطارق بن زياد خلال فتح الأندلس وخطبته الشهيرة التي ألقاها أمام جنوده من أجل تحميسهم ودفعهم إلى فتح الأرض الإيبيرية، لأن نص الخطبة التي ألقيت هو نص أدبي بامتياز، ويدخل ضمن النصوص الأدبية التي اشتهر بها المشارقة من العرب، فهو نص كما نظر إليه العديد من المؤرخين، على أنه كامل الأوصاف سواء في بلاغته أو لغته أو تصميمه المتمثل في مراحل، حيث اتخذها طارق بن زياد وسيلته من أجل تحقيق هدفه، ثم تذكيرا وترغيبا، ثم إقناعا وتشجيعا لجيشه، بالإضافة إلى ذلك نجد أن هذه الفترة عرفت ظهور بعض الخطب الأخرى والمحاولات والتي صنفت على أنها تدخل ضمن المظاهر والقضايا الأدبية التي شكلت الأساس واللبنة الأولى لِمرحلة نشأة الأدب في منطقة المغرب الأقصى.
إلى الآن نؤكد ونجزم على أن البدايات الأولى مهما إختلفنا كانت خلال الفترة الإدريسية، لكن الأدب المغربي بعد الولادة العسيرة وما رافقها من تأخر في مقارعة المشارقة، إلا أنه عرف نوعا من التطور الملموس في العصور التي تلت ذلك، ولم يبق حبيس فترة النشأة والظهور، حيث سيعرف نوعا من الإزدهار مع الدول التي تعاقبت على حكم بلاد المغرب، بدءاً بالعصر المرابطي، ثم العصر الموحدي، والعصر المريني، والعصر الوطاسي، والعصر السعدي، والعصر العلوي، حيث أن الحكام المغاربة مهما اختلفت دولهم كان همهم الرفع من قيمة الأدب والتشجيع على نشر مختلف أنواعه من شعر ونثر وغيرهما، لكن هذا الأدب المغربي ظل يتلون بلون العصور، ويتمطط ليناسب كل عصر من عصور الدولة المغربية، فكل دولة ولها خصوصية حكمها ومراجعها في ذلك فيخضع في بعض الأحيان لتوجهاتها، مما كان له السبب في تباين درجة التطور والازدهار من عصر إلى آخر، ولا نعني في ذلك التفضيل فيما بين هذه العصور، إنما المقصود في ذلك، أنَّه لكل عصر خصوصية وطابع خاص، يتميز به عن غيره من العصور.
ضمير عبد اللطيف – مدينة الجديدة
اترك تعليقا