في أيام الحر الطويلة، وبينما ينام الصبية بجانبي مستلقين على بطونهم، كنت أحب أن أنام على ظهري، وأنظر الى السقف ساهما في الأشياء الصغيرة العالقة بذهني إلى أن يأخذني النعاس، وفي سن الخامسة ذات صيف حار، كنت أحب أن أنام دون قميص، كنت أحب أن أنام عاريا لألتقط النفحات الخفيفة الباردة التي قلما تلج تلك الغرفة الرطبة المكتظة بالصغار.
كنت أضع يدي الإثنتان معا أسفل بطني يعانقان أعضائي السفلية، تلك الضرورة الملحة التي كانت تجعلني أضعهما معا هناك، لا أدري من أين أتتني أول مرة ! ومع ذلك الشعور الجميل الرقيق، كنت كلما سحبت يدي للأعلى ألمس سرتي! وفي سن الخامسة، سألت أكثر من مرة “ما دور السرة في جسدي؟ من أين جاءت؟”
كان السؤال عن السرة لا يختلف عن دور النهد في صدري، كطفل ذكر، مالذي سأفعله بهذا النهد؟ وكنت أطالع صدور النسوة العاملة في الميتم، وأمرأة أخرى رأيتها تطعم طفلها من صدرها المتدلي والممتلئ، وكنت اتساءل! من أين يأتين بحليبهن؟ وكيف له ألا ينقطع؟ وحلمتي.. ما أنا فاعل بها؟
كل هذا يهون أمام امر السرة، من أين أتت وما دورها؟ حتى أنني عندنا ألمسها لا أشعر بأي شيء مطلقا، وكنت أطالع بطون الصبية العارية باهتمام بالغ، وأرى دائما الفروق بينها، تلك البارزة بالخارج، والأخرى المظلمة المنقلبة داخل البطن، وسرتي كانت بادية وظاهرة من الخارج دون جهد لكنها لا تشبه الجحر ولا تشبه حبة الحمص المتدلية، وذهبت بي عادة أن أضع أصبعي بداخلها بساعات النهار المملة و قبل النوم كطقس يومي، كأنني أرجوها أن تخبرني سرها، متناسيا تماما ذلك الشعور اللطيف الذي يمدني به ملمس أسفل بطني، إذ غلب فضولي العظيم رغبتي.
قال لنا رجل بالميتم، أننا ان لم نحصل على أسرة للتبني، حال بلوغنا الثامنة عشر، سنغادر المكان على غير هدى، وسيتكلف الخارج بتشكيلنا، وأخبرنا أيضا أنه بالخارج يمكن بيع أي شيء كيفما كان، ونظر للفتيات الصغيرات وأخبرهن بوقاحة أن الكثيرات مثلهن بعن أجسادهن.
يباع الجسد؟كيف ذلك! أيباع قطعة قطعة أم يباع دفعة واحدة؟ أيغلف بالورق أم يبقى عاريا عندما يعرض للبيع؟ لم أجد لهذه المشكلة جوابا بعقلي، وأيضا لم أجرؤ على سؤال أحد، وخطرت ببالي فكرة! حالما أخرج من هنا سأبيع سرتي.
بعد كثير من التردد والقلق، سألت رجلا يعمل هناك عن إمكانية بيع أي شيء، دون أن أحدد ما أريد بيعه، كان رجلا لعوبا وأخبرني أنه يستطيع بيع أي شيء بالخارج، وأن ثمن الشيء يزيد حسب قيمته، وأخبرني أن أناسا بالخارج يملكون أموالا طائلة بسبب أعمال البيع والشراء.
لم أستطع النوم ليلتها، كنت أعطي لسرتي قيمة حسب مظهرها الحسن المقبول، لشراء أشياء كثيرة، وأيضا قيمة ثمن السفر، أستطيع بثمنها أن أسافر دون أن أستقر بمكان، حرا دون سرة ببطن ممسوحة، لأنني لم أغادر هذا المكان منذ خلقتي، أخذت الخيالات تكتسح ذهني وتأخذني لأماكن عديدة، كتلك الشواطئ التي رأيتها بالتلفاز، وتلك المدن الكبيرة بأبنيتها الشاهقة، وكمية الحلوى والمأكولات الطيبة التي أستطيع التهامها دون رقيب، لكن هل سيكون بيع السرة دون ألم؟ كيف سأنتزعها وهي ملتحمة ببطني؟ وهل تعد السرة ذلك الجحر الصغير فقط أم أنها تمتد لمناطق أوسع وأعمق؟؟
لا تباع سرر في الخارج، وأيضا لا تباع أجساد الفتيات بالتقسيط، ولا تباع على النحو الذي اعتقدت، أخبرنا أحد أساتذتها عن تكوين الجنين داخل البطن، وأخبرنا عن كيفية تغذية هذا الجنين داخل البطن، وأن الحبل السري مسؤول عن نقل ما تتناوله الأم لطفلها، وأن السرة أثر لهذا الإرتباط ولتلك العلاقة، وسألت ساعتها عن إمكانية بيعها، ولم أجد جوابا شافيا، ولم يكن ادراكي ساعتها كافيا، لأفكر جيدا أنني ربما قد أبيع سرتي فقط، لأنسى ارتباطي بتلك السيدة، وهذا ما أتى بعد سنوات طويلة لاحقة.
كرهت سرتي، هذه التي لا تباع أبدا، ولن تحقق لي نصف أحلامي ببيعها، والتي رسمت بذهني أوجها لنساء لم أرهن، عل واحدة منهن تشبه أمي، كنت أنظر للمرآة مطولا، وكنت أحرص على ألا يراني أحد، وأضع زيفا فوق رأسي كما تفعل النسوة بالخارج، علني أرى أمي، فبالخارج أطفال يشبهون أمهاتهن كثيرا، دون جدوى..
فكرت لاحقا ببيع خط كفي، بعد أن أخبرني صديق لي بأنه يحدد مستقبلنا بالخارج، وأن من يملك خطا متصلا يقطع الكف كله، يملك حظا وفيرا، ومن يملك خطا أقصر له حظ قليل من المال مستقبلا، وكان كل شيء في أذهاننا متعلق بما سيحدث بعد الثامنة عشر.
لم أبع سرتي أبدا، وأيضا لم أستطع بيع خط كفي، لكنني بعت مخيلتي للخارج، خارج الباب العالي والسور المطوق لساحتنا، ومع كل طفل يحصل على عائلة جديدة، أشعر بالحسرة ويغمرني أمل أن أجد من يأخذني للخارج، علني أجد شاريا، أيا كان! ليشتري مني أي شيء أراد، بالخصوص سرتي، هذه السرة!
ومن سيشتريها! ماذا سيصنع بها؟
سيضعها بإطار ويعلقعا بجدار.. ويتمعن هذه العظمة!
شيماء الملياني ننتوسي – مدينة وجدة
شكرا لكم
حقيقة وانا اقرأ هذا النص “بيع سرة”لشيماء الملياني لا يسعني الا ان اقول انني امام قصاصة عازمة على اقتحام عالم الكبار.خيط القص يلمسه القارئ ومن ورائه دفقة الابداع.”بيع سرة” نص مكثف وهي ميزة اساسية تطبع القصة وهذا التكثيف يحتضن عالما طفوليا رائعا تقدم من خلاله شيماء الملياني عفوية طفولية في اكتشاف الجسد والاطلالة على عالم الكبار وهم يمارسون ما يدنس احلام الصغار.طفولة بأحلامها وآلامها وتعبير شيماء بعفوية المبدع المالك لكل مقومات الفن القصصي.شيماء لك من الامكانيات ما يجعلك تقارعين الحيتان الكبيرة في هذا المجال.واسجل بعض الهفوات في التعبير واللغة ولكن سترمم بفضل اااكثار من القراءة لرواد هذا الجنس.وبالتوفيق