أي حياة اعيشها اليوم، أسارق انا، أم قاتل؟
طوال هذه السنين وأن أبحث عن سبب مقنع لهروبي، عن دريعة تشفع لي الجريمة التي ارتكبتها في حق نفسي وفي حق أحلام. عن أخطائي الجسيمة أتحدث يا سادة، عن القناعات التي وجت نفسي متشبثا بها، عن المعاناة التي لازمتني بعدها إلى اليوم.
كان الخبر كالنار التي تتقد في الحطب، نعم لم تعد روح سعيد كما كانت ولن تعود،مساء يوم الخميس،هو اليوم الذي يعد نذير شأم عند سعيد، يوم خاص وله طقس خاص، الشرب في بار الصدفة، كان على استعداد لدخول مخفر الشرطة في أي لحظة، كان مستعدا لافتعال شجار مع السكارى ليلا، فاليوم يوم الخميس، يوم ملعون، يذكره باخر يوم له في القرية.
كانت الساعة تشير الى الحادية عشر ليلا، كان البار في أوجه، ففي باب بار الصدفة لا وجود للصدفة، حيث يوجد عادل حارس البار الضخم الذي كان يحب سعيد لانه دائما ما يكون كريما عندما يسكر، عندما تدخل البار تجده على شكل مسرح دائري، كل شي خشبي يذكرك بالبارات الكلاسيكية. كان الدخان يعلو المكان كأننا في زيارة ضريح ما، دخان السجائر يعلو كالبخور وقهقات الرواد تعلو وتعلو حتى تنعدم معه أي فرصة لسماع تحية من صديق شاركت معه شرب البيرة في إحدى الليالي.
كل واحد من زوار البار يناقش ما تمليه عليه غريزته المعرفية، منهم من ينشد الشعر ومنهم من يشتم الحكومة، ومنهم من كره مستنقع الصحافة التي تعج بالوضاعة و العبودية.
سعيد كان جالسا على الكونطوار يدردش مع النادلة بشرى.
قالت: بصوت يخلو من المزاح لماذا لا تبحث لك عن فتاة تشارك معها الشراب وتترك الماضي يمضي يا سعيد.
سعيد: بصوت ثقيل؛ هههه بشرى لست في مزاج يسمح لي بمشاركة أي فتاة الفراش، الرغبة يا عزيزتي الرغبة.
ضحكت بشرى بصوت مرتفع، سعيد لا تقل لي انك لم تعد..
سعيد: ساخرا مستعد لاثبت العكس فقط من أجلك يا قمر.
كانت تعرفه منذ سنوات وتعرف طبيعته إلى حد كبير، كان أصدقاء سعيد يعرفونه من الخلف بطريقة إمساكه السجارة، فقد كانت يده اليسرى دائمة في وضعية زاوية قادمة كمن يبادل تحية دون الالتفاف للوراء.
رن هاتف سعيد الذي ظل لاسابيع في عطلة ليعلن نهاية ليلته، لم يكن الرقم معروفا، تردد في البداية لكنه ضعط على زر فتح الخط لتسقط السجارة من يده كما تسقط أوراق الخريف، كأن يده شلت أو تجمدت في مكانها. كان الصوت معروفا في عمق ذاكرة سعيد، كأن روحه كانت على دراية بأن صوت هذا المخلوق لن يكون ورائه سوى مصيبة عظمى.
فؤاد، كان صوت الرجل الذي أخد روح سعيد الرجل الذي تزوج بأحلام، ابن عمها اللعين، الرجل الذي انعدمت فيه صفات الرجولة، هذا اخر شيء يتذكره سعيد وهو يغادر القرية.
ألو.. ألو… سعيد أنا فؤاد… أتسمعني!!!
ظل سعيد صامتا رغم استعابه لما يحدث، لكن لم يكن يتوقع أن يحدث هذا في يوم الخميس، في تلك اللحظة علم أن أحلام كانت في خطر شديد أو أنها مريضة إلى درجة فقدان الامل في نجانها.
خرج من البار مسرعا تجاه الطرمواي مخلفا وراءه فوضى عارمة، بيرات مكسورة ونظرات حزينة كانت تعلم أن الامر كان أكثر شدة من شظايا الزجاج المكسور، كان العشاق في البار يعلمون أن طريقة خروجه أغلى وأثمن من كل أنواع الشراب، هو نداء لا يقبل التأجيل، هو حب أبدي لن يستوعبه إلا القليلون.
صاح أحد في زواية البار بصوت مرتفع، بصحة متاعب النساء.
ورد عليه آخر؛ ملعون أبو الحب وفي زمن لا يرحم فيه سوى الراقص على ألحان الحكومة.
ضحك الجميع، وعاد كل لشرابه من جديد كأنه خبر عاجل لصاروخ أصاب غزة، سرعان ما تمحيه من الذاكرة بقية الاخبار.
أحمد شعبان – مدينة جرسيف
طالب باحث
طالب باحث
اترك تعليقا