استقر اليهود في مدينة الصويرة في بداية الأمر بالملاح القديم والقصبة بجانب المسلمين، لكن في سنة 1804 م أصدر المولى سليمان ظهيرا سلطانيا يقضي بترحيل اليهود إلى ملاحهم، وذلك لتواجده وسط المدينة وكون شارعه يمثل سوقا تجاريا مهما، إضافة إلى تطلع السلطات إلى توفير الأمان لليهود وحمايتهم بعزلهم داخل حي خاص أطلق عليه اسم الملاح الجديد الذي يقع في الزاوية الشمالية الغربية للمدينة قرب باب دكالة، في حين أطلق على الشارع القديم اسم «الملاح القديم”.
وكان الطابع المعماري للملاح شبيه بالأحياء التقليدية في هندسة المنازل والأزقة، مع تميز منازل اليهود بالنوافذ والشرفات الكبيرة المصنوعة من الخشب، وكانت عبارة عن مجموعة غرف كبيرة يتوسطها بهو شاسع غير مغطى، بالإضافة إلى بعض الدكاكين المطلة على الشارع، والتي كان جزء كبير منها في قبضة أثرياء التجار. ونظرا لوفرة المحلات التجارية والحرفية بالملاح، فقد أصبح عبارة عن سوق عكاظ، إذ مورست بداخله جميع الحرف التقليدية بما فيها صياغة الذهب والفضة والخرازة وخياطة الملابس. إضافة إلى الحرف، عرف الملاح نشاطا تجاريا مهما مما جعل منه فضاءً مليئا بالحركة، إذ كانت أبوابه تفتح طيلة النهار في وجه الباعة والمشترين وتغلق ليلا كباقي الأحياء، وكان عدد كبير من المسلمين يمارسون به مجموعة من الحرف.
وكان يهود الملاح القديم-وأغلبهم من الفقراء- يرتدون جلبابا أسودا ونعلا أسودا كذلك، ويضعون منديلا صغيرا مزركشا فوق رؤوسهم يسمى “القزة”، وفي الأوساط الميسورة كانوا يرتدون بدلا أوروبية بالإضافة إلى فوقيات صوفية مزخرفة، أما النساء فيرتدين تحتية موصلية فضفاضة وقفطانا مشدودا بحزام، وتغطي المتزوجات منهن رؤوسهن بمناديل من حرير.
اتسمت العلاقة بين اليهود والمسلمين داخل الملاح القديم بالتآزر والتعاون، من خلال مشاركة المسلمين لليهود أفراحهم، إذ جرت العادة أن يزور المسلم جاره اليهودي لتهنئته كلما حل عيد، ويقدم له الورود والحلويات عربونا على الصداقة والمحبة المتبادلة. ولعل ما وطد العلاقة بين الطرفين، رغم الاختلاف الديني، كونهم تجمعهم لهجة واحدة هي اللهجة المغربية “الدارجة”، مما يسهل التواصل بينهما، غير أن هذه “الدارجة” التي يتكلم بها اليهود لها سمات خاصة عن تلك التي يتكلم بها المسلمون، وذلك لاختلافهم في نطق بعض الحروف، فيهود الصويرة ينطقون الشين سينا كقولهم السمس بدل الشمس، كما ينطقون الجيم زاياً كقولهم خرز بدل خرج، وينطقون الطاء تاءً كقولهم اعتيني بدل اعطيني.
ومع توالي السنين وهجرة اليهود الذين كان عددهم يفوق عدد المسلمين في فترة زمنية، أضحى حي الملاح حاليا “مزارا” لليهود لاسترجاع ذكريات الماضي، وهناك جهود لإعادة هيكلته في إطار مشروع تهيئة المدينة العتيقة للصويرة.
سيرين سامر – خريجة برنامج الصحافيون الشباب لأجل إعلام ثقافي
بشراكة مع المركز الدولي للصحفيين ICFJ
اترك تعليقا