أما عن الحجاب كثقافة فهل يمكن اعتباره رمزا للتعفف كما تصوره بعض القراءات للأديان؟ أم أنه قمع لحرية المرأة حتى لا تتسلط ضد الرجل ؟
وحسم قاسم أمين المسألة قديما لما دعا إلى تحرير المرأة في كتابه حيث يسلم أن ” ممارسة الوصاية على العقول جناية وقمع للحرية الإنسانية” .
فلما كانت المرأة تنشأ في عرف محكوم مصيرها قبل أن تلد، تضطر أن تنحصر بين نارين إما أن تقبل بالحجاب لتسلم من اتهامات المجتمع ،وإما عهرا تلوكها ألسنة المجتمع لوما! وهذه الثنائية التي صنعتها بعض الخطابات الدينية هي خدش في قناعات الناس وفي نواياهم ، فلم لا تكون القسمة ثلاثية وهي الأدعى للإنصاف، وهي أنه ليست كل من لم تقتنع بالحجاب كفكرة أن تلحق ببائعات الهوى !! وكذلك ليست كل متحجبة بمبعدة عن ثقافة العهر، لأن الذي يصحح كل هذه الاحتمالات هو الواقع .
والقسمة الثلاثية تقول أنه من النساء من لا تقتنع بالحجاب وعقلها يُقَبِحُ لها كل ما تترفع عنه النفوس الدنيئة! وهذه هي الدائرة التي لم ترصدها بعض القرائية التراثية للدين للأسف !
لأن مزية العقل أن له صلاحية التحسين والتقبيح قبل ورود الشرع حظرا أو إباحة !
وإن اعتبرنا الحجاب شعارا للتحفظ كما يدعى قلنا هذا ادعاء يكذبه الواقع! فكل جو يسود فيه التحجب بالضرورة المنطقية يتقوى فيه الكبت، وما الكبت إلا مقدمة من مقدمات الزنا( بالتعبير الشرعي، قلنا الكبت), لأن الرجل مجبول عقله وطبعه على الفضول إلى ترقب ما خلف الستار النسوي ! ولا أرى رجلا يشكك في ذاك إلا المشكوك في رجولته .
يقول مشيلا مارزانو “فالمرأة عقل قبل أن تكون جسدا، والذي قوى فلسفة الجسد عند المرأة هي مكبوتات الرجل ”
ومشكلة الفقه الإسلامي وهو يقرر شرعية الحجاب أنه لا يرصد عقل المرأة في التاريخ وإبداعاتها الفكرية إنما انحصر أمره في الجسد؛ لذاك كانت أحكامه جميعها لا تخرج عن دائرة الجسد فَحَرَمَ الاختلاط بالمرأة ومنع مصافحة المرأة وضيق فسحة الخروج على المرأة وربط مصلحتها بالجدران الأربعة في بيت أبيها وزوجها.
تقول نوال السعداوي في السياق نفسه “الحجاب رمز سياسي خطير لعبودية المرأة، وعلى أن المرأة جسد بدون عقل. رأس المرأة شرف فلماذا تغطيه؟ الحجاب ليس له علاقة بالأديان الثلاثة، هو جاء قبلها كنظام عبودي طبقي أبوي لاضطهاد المرأة. ”
لكن المانع له من رصد عقل المرأة أنه خاف أن تمنح للمرأة فرصة التحرر فتنعكس موازين القوى، وفي هذا السياق تقول الدكتورة ملاك الجهني ” إن فكرة التحجب هي هروب عن سياسية تحرير المرأة وتخوف من سلطة المرأة، أما العفاف فكل عاقل يتغياه وليس طريقه محصورا في خرقة تحجب المرأة ” .
فضعف الفكر النسوي في التاريخ ليس مرده ضعف المرأة كما تصوره الأديان أنها ناقصة دين وعقل ،أو أنها خلقت من ضلع الرجل أو غير ذلك إنما الضعف أصله من تضييق هامش الحرية على المرأة، حتى لا تستمتع ولو ببصيص من ذلك، لأن الأديان مقتنعة أن المرأة عقل ثائر لذلك لم تجعل لها ولو حظا من النبوة لأنها ستغيرحتى المسار الإلهي، لأن طبيعة الآلهة في التاريخ لهم نزوع ذكوري وهذا لا يستقيم على أصول الفكر النسوي الثوري .
وأختم بسؤال هو ) ما المنتظر من فكر يصور المرأة انها فتنة، فإن كانت شعرة من المرأة تهدد وجود الرجل وتخدش عليه قناعاته فالمشكل منه آت وليس من شعرة المرأة ،لأن ما ذاك إلا فلتة من فلتات الكبت الذي ارتطم فيه !!
سناء باهي – مدينة أزمور
اترك تعليقا