سلمى الگباصي تكتب: نوم أبدي

1 مايو 2021



تدخل غرفتها كالعادة، لكن هذه المرة السكون يعتلي المكان، تتساءل في ذهنها، أين صوت الجدة، فهي دائما تنتظر دخولي لتربت على ظهري وتواسيني بدعواتها الحنون، حقا أمر غريب!
دخلت غرفتي ثم غيرت ملابسي، انتظرتها كثيرا لكن دون جدوى، حسنا سأذهب أنا إليها، طرقت الباب لكن لا أحد يجيب ولأنه كان مفتوحا هممت بالدخول، وجدت الجدة نائمة على غير عادتها، حاولت إيقاظها لكنها لم تكن تستجب، للحظة فزع قلبي وظننتها غادرتني كحال الجميع، بدأت بالصراخ والدموع تنهمر من عيناي كشلال متدفق، يا الله لما هي الأخرى تركتني؟ فجأة ودون سابق إنذار سمعت نبرة صوتها الحنون تتردد في أدنى قائلة:
– كيف لي تركك يا بنيتي؟
تساءلت في ذهول تام، كيف للجدة أن تتكلم وهي ميتة؟
شعرت برعب شديد، استدرت لأجدها واقفة تقول:
– كل الأمر وما فيه أنني كنت متعبة يا بنيتي وأخذت قرصا مهدئا ونمت، لم أشعر بمرور الوقت.
نظرت إلي بوجه بشوش سائلة:
– كيف جرت أمورك عزيزتي؟ هل وجدتي عملا؟
أجبت بخيبة أمل كبيرة:
– لا، لم أجد.



غادرت إلى غرفتي، أغلقت الباب خلفي ثم نمت نوما عميقا لأستيقظ على وقع خطواتها، كانت تحمل لي الرغيف الساخن كعادتها عند السادسة مساء، جلست إلى جوارها نأكل معا وقبل أن تذهب أخبرتني أنها أوصت بي عند شخص يمتلك متجرا لبيع الملابس، وبنبرة حنون قالت:
– جربي حظك غدا.
أتذكر صوتها جيدا كان بمثابة مسكن آلام لي.
استيقظت في الصباح الباكر، واتجهت إلى المتجر، وافق مالكه على عملي معه، فرحت كثيرا، وقلت في نفسي:
– وأخيرا ابتسمت الدنيا في وجهي، صحيح أن الراتب الذي اتفقت عليه مع صاحب المحل ليس بالراتب الكبير غير أنه سيغنيني عن توسل صدقات بالكاد تكفيني لسد رمقي، لن أضطر معه إلى العودة للتسول مرة أخرى، فبعد موت عائلتي في ذلك الحادث المشؤوم لم يتبقى لي سوى جدتي وليس لنا معيل.
قضيت اليوم كله بالمتجر وبعد الانتهاء من دوام العمل اشتريت الكعك الذي تحبه جدتي الحبيبة، توجهت إلى البيت وأنا متوهجة كاللؤلؤ من فرحتي، وصلت أخيرا ثم دخلت، يا للهول! الجدة نائمة، حاولت إيقاظها لكنها آبت، قلت في نفسي لربما أخذت فرصا كما البارحة، أسريت عليها لكن كانت هذه المرة مختلفة تماما، لم تستيقظ، لقد ماتت حبيبتي، ماتت وتركتني لوحدي، كيف أستطيع مجابهة الحياة بدونها، يا الله خد روحي أنا أيضا فقد تعبت، لمحت علبة دوائها، أخذت ما تبقى في العلبة ونمت على صدرها نوما كغير العادة، هذه المرة كان نوما أبديا.

سلمى الگباصي – مدينة القنيطرة



اترك تعليقا

لن يتم اظهار بريدك الالكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها *

: / :