ملتحفة بغطاء أرجواني كلون الوسادة، الدليل الوحيد على أن المكان يعود لأنثى، لأنه وبمجرد أن تنحرف عينك شمالا أو يمينا لتلاحظ فوضى المكان ستشك في أنه لتاء التأنيث المعروفة بالأناقة والنظام والرقة.
من روج لهذه المغالطات؟ أن أكون أنثى لا يجعلني دوما رقيقة أنيقة محبة للتنظيم والهدوء، لا بأس أحيانا، (وفي حالتي غالبا)، بجوارب فوق الطاولة، أو صحن على فراش النوم، أو جوارب معلقة بستار النافذة…
أتذكر أني كنت أبحث ذات يوم عن حذائي فلم أجده، فتشت شمال وجنوب الغرفة، تأكدت من قدمي لأجدهما حافيتين إلا من جوارب سوداء، فكرت طويلا أين وضعتهما لكن ذاكرتي لم تكن أكثر حدة من التي وهبها الله لسمك البحر والمحيط. بيأس وبقلة حيلة تأففت مقررة ارتداء حذاء آخر لم يكن ليناسب طبيعة الجو البارد، فتحت الخزانة لأرى ما ستجود به علي من ملابس، وبينما أقلبها يمينا ويسارا، يفاجئني زوج الحذاء ملتفا بداخل قميص أحمر مخطط بالأسود، بكثير من الاستغراب أخرج القميص وأنفضه ليتطاير الحذاء وأخوه في سماء الغرفة ملقيان تحية صباحية صاخبة. بعد هذا الحادث الذي لم أستطع تفسيره ولا فهمه، صرت أتوقع كل شيء مني، ولم أعد أُعمِل المنطق حين يتعلق الأمر بالبحث عن أشياء مختفية كيفما كانت، فقد أبحث عن قلم وسط سلة الخضر، أو عن بطاطس بمحفظة الكتب. تعايشت مع الوضع وصرت أستمتع بالبحث عن أشياء في أماكن ليست لها، فهذا يجعل للغرفة قانونا خاصا بها لا يخضع لما هو متفق عليه في العالم.
وبينما أستعد للنوم، تذكرت أني على موعد مع مراثون صباحي للوصول إلى قاعة الدرس. الاستيقاظ باكرا للحاق بالحافلة ثم المشي للوصول إلى الجامعة. أفعل هذا في الصباح الباكر مرغمة على نفض الفراش الدافئ العاشق لي وإبعاده عني ليلسعني البرد بقسوة. جعلني هذا أتساءل، لماذا لا أتزوج؟ أختي الآن تنعم بالراحة والطمأنينة، تنام إلى أن يعتدل الجو وتنتشر أشعة الشمس بالسماء، فتقوم لتجهز الفطور على مهلها، وما إن تنتهي حتى تجلس مجددا لتشاهد فيلما أو تقرأ كتابا، يشتري لها زوجها ما تريده، هي تجلس فقط كسيدة لمنزل لم تضع فيه درهما لبنائه ولا طلائه، من منحها هذه السلطة والصلاحية؟
بدأت أهتم بأمر الزواج، فأنا فطالبة بئيسة تستيقظ صباحا لتدرس، صحيح أن للعلم حلاوة لا أنكرها، لكن هذا لا ينفي أني وحيدة أطهو الطعام متعبة، حتى أني أحيانا أقف حائرة: هل أنام ببطن فارغة أم أتحمل قليلا رغم تعبي لأعد ما أتناوله؟
ولأني كسول كالباندا، فإن الخيار الأول غالبا ما يكسب الرهان، لأجدني نائمة وعصافير بطني تزقزق.
أعود لأتساءل بعد هذه المقارنة: لماذا لا أتزوج؟ الزواج لن يمنعني من الدراسة، أعرف كثيرات يجمعن بين الجانبين.
أريد أن أكون زوجة عاقلة، تهتم بزوجها وتعد له الفطور صباحا، ثم تعود للنوم، وهذا أهم جزء. أستيقظ في العاشرة لأراجع دروسي وأعد وجبة الغذاء، وأنتظر رب البيت ليعود ويجد الغذاء في انتظاره، أنا أدرك جيدا ما معنى أن يعود المرء متعبا من العمل أو من الدراسة ليجد وجبة لذيذة في انتظاره وشخصا يسخر نفسه ليوفر له سبل الراحة تعويضا عن يوم متعب. لم أعد أعتبر زواج الرجل من أجل هذه الأسباب أمرا خاطئا، له الحق في اختيار شريكة تخفف عنه أعباء اليوم ومشقته.
لا أظنني بهذه الطاقة التي أملكها الآن قد أتمكن من الاستيقاظ باكرا لبقية حياتي للذهاب إلى العمل، التصرف برسمية طوال اليوم والمشي أو الوقوف طويلا ثم التحدث لساعات مع بني آدم.
ما أريده هو النوم، وقراءة الكثير من الكتب التي لا يطالعها الطلبة أنفسهم، أن تكون لدي مكتبة في البيت وزاوية خاصة بي أقضي بها جزءا من يومي حتى لا أكون ضحية للفراغ، أقوم بأعمال البيت وأنا أستمع لدرويش أو عبد الحليم حافظ.. طبعا ليس الأمر بهذه المثالية، لا شيء مثالي في هذا العالم، لا الزواج ولا الدراسة ولا العمل. لكن بعضنا يتحمل سلبيات أشياء أكثر من غيرها، هذا هو الفرق.
فجأة تذكرت أمرا قطع حبل أفكاري، الجوارب! نسيت خلعهما قبل النوم، بشيء من الكسل مددت يدي نحوهما لأرميهما بعيدا كعادتي في التعامل مع الأشياء، نظرت إلى موقعهما الآن فوجدت إحداهما متشبثة بطريقة ما بستار النافذة، ففهمت حينها سبب تواجد الأشياء الضائعة في أماكن غير متوقعة!!
سعاد أمرير – مدينة أيت إعزة تارودانت
اترك تعليقا