فتحت جفناي بصعوبة؛ أقاوم سلطان النوم الذي لم يزرني إلا في الهزيع الأخير من الليل.
حدقت طويلا في الساعة الحائطية التي تبادلني نفس النظرات، نظرات استفسار حبلى بأسئلة تتكرر كلما وقع نظري عليها صباحا:
– أستنيرين يومك مجددا بأشعة الأمس؟
عقاربها حطت على الساعة السابعة إلا ربع، أعارك الغطاء الذي ألتحفه، ففي الوقت الذي أحاول إبعاده عني يصر هو على معانقتي ويرفض إفلاتي.
ضقت ذرعا به؛ فألقيت به بعيدا بغضب حتى سقط منهار القوى، جهزت نفسي للخروج بسرعة فقد انسحب بساط الوقت من تحت أرجلي.
حملت محفظتي واتجهت نحو الثانوية، على دربي توقفت أنتظر صديقتي علنا نؤنس بعضنا لنكسر طول المسير.
أثناء انتظاري كنت ألاحظ حركات المارة والتلاميذ وحتى الكلاب الضالة في ذلك الشارع.
كانت المراقبة تشعرني بالإنتشاء، أكثر ماكنت أحبه هو رؤيتي لتلاميذ المستوى الإبتدائي رفقة ذويهم، غالبا ما تكون الأمهات من يصطحبن أبنائهن.
مرت أمامي أم كانت تمسك بقوة يد ابنتها الصغيرة كأنها تخاف أن تبتعد عنها فجأة، وبيدها الأخرى تحمل محفظة تزن كيلوغرامات لثقل الكتب بداخلها؛ قارنت نظرة الأم وابنتها وملامحهما فانتابني إحساس غريب؛ كانت عينا الطفلة تشع نورا ونظرتها تفصح عن وجود روح بريئة طاهرة تختبئ داخل جسدها الصغير، حركاتها مفعمة بالحيوية والنشاط، وكأن طاقة العالم بأسرها تنبعث من دواخلها.
انتقلت للأم فرأيت نقيض الطفلة، عينان شاحذتان أتعبهما الزمن، ووجه يتصنع الإبتسام كأن الأخيرة تزن أطنانا مايجعلها ثقيلة على ملامح وجهها.
نظرتها كانت في اتجاه واحد حتى أني خلتها عمياء رغم عينيها الجاحظتين؛ فقد افتقدت فيهما مايدل على انفعالها مع المحيط، بدا الأمر وكأن كل شيء فقد بريقه بالنسبة إليها، حركاتها متسارعة ويدها مازالت تمسك بنفس القوة يد طفلتها.
استغربت بعد رحيلهما وتساءلت:
-هل الحياة قاسية إلى الحد الذي يجعلها تحول البشر من أحياء يفيضون حيوية لتجعلهم أجسادا جوفاء و هياكل عظمية نخرها الزمن ؟ أسيكون لي نفس المصير يا ترى؟ أسأكون كهذه الأم بعد سنوات وقد سرق مني الزمان كل مايدل على آثار الحياة في دواخلي؟
أنقذتني صديقتي من دوامة التساؤلات بحضورها، وقاطعت حبل اتصالي مع المستقبل بجملة سمعت مثيلتها في هذا الوقت من صباح أمس: ” تأخر الوقت علينا الإسراع”. حينها تذكرت تساؤل ساعتي الحكيم: ” أستنيرين يومك مجددا بأشعة الأمس؟”
أجبت بصوت منخفض بالكاد سمعته أذناي: -“أشعة الأمس ستختفي قريبا، فإما أن أبصر بنور الحاضر أو أقبع في الظلام إلى أن يعانق جسدي الثرى”.
سعاد أمرير – مدينة أيت اعزا
للنجاح أشخاص يقدرون معناه وللإبداع أشخاص يحصدونه لذا نقدر جهودك الرائعة فأنت أهل للشكر والتقدير فوجب علينا تقديرك فلك منا كل الثناء والتقدير أرجو الاستمرار والتوفيق وتحياتي لحروفك الانيقه يا سعاد.