زهير سطيح  يكتب: العلم العربي في العصر الوسيط بين القراءات التمجيدية والهزلية.

6 مايو 2021

تعد فلسفة العلوم من أهم مباحث الفلسفة بما تقدمه من رؤية نقدية للمناهج العلمية السائدة، وإذ استغرق كثيرون في البحث عن مناهج العلوم بمختلف فروعها، غفل آخرون عن البحث وراء جذور تلك العلوم وتواريخها، تلك التي إن تمكنا من الإلمام بها تمكنا من إتاحة المزيد من البدائل الممكنة للمساهمة في التوظيف الأمثل للمعرفة العلمية داخل مجتمعنا المعاصر، من هنا كان الاهتمام بتاريخ العلوم ضرورة حتمية، وعليه سنحاول أن نعرض ونوجز بعضا من مراحل تطور العلوم في الفضاء الثقافي الإسلامي العربي بين أواخر القرن الثامن ونهاية القرن السادس عشر، وهو العصر الذي كان يمثل امتدادا للتقاليد العلمية السائدة في بلاد الإغريق والهند وفارس في المرحلة القديمة، علاوة على ذلك ابتكار علماء العرب لعلوم ومعارف جديدة لم تكن معرفة قبلهم وإضافتهم إلى العلوم المعروفة فصولا ونتائج ونظريات مبتكرة شكلت نقلة نوعية في تاريخ العلوم، شملت هذه الأخيرة كل الفروع العلمية التي مورست في المرحلتين القديمة والوسيطة.

فما هي اسهامات علماء العرب في تاريخ العلوم؟

وهل يمكن اعتبار هذه الأعمال مدخلا الى العلم الحديث ام انها مجرد ترديد لعلوم الحضارات والامم السابقة؟



بالنظر إلى أبحاث في تاريخ العلوم العربية يمكن القول أن الأعمال الأصلية ابتدأت مع فترة الترجمة، ويمكن اعتبار ق(2 هجري/8م) حسب كتب التراجم هو البداية الفعلية لترجمة نصوص علم الفلك إلى اللغة العربية سواء ذات الأصول الهندية أو الفارسية، بينما في ق(3هجري/9م) سيتم ترجمة الكتب اليونانية إلى العربية التي تقدم البدايات الأولى للعلم العربي، ومنه نذكر بعض أعمال العرب مع ذكر أسمائهم: تطورت الانتقادات إلى النموذج البطليموسي ببروز تيارين كبيرين هما: تيار اقتصر على إثارة ما تحمله النظرية البطليموسية من تناقضات، وتيار تجاوز ذلك إلى تعديل وتنقيح هذا النموذج حتى يستجيب لمعطيات الأرصاد الجديدة،هذين المعطيين ظلا حاضرين معا ومترابطين في أعمال العلماء العرب، بمعنى عندما نتوقف عند عمل يعرض فيه صاحبه فكر بطليموس، فمن اللازم أن نجد حدودا حيث ينتهي العرض ويبدأ العمل الشخصي في الظهور، وبذلك فأعمال ابن قرة تبقى رائدة في هذا المجال وشاهدة على حضور المعطيين معا في العمل نفسه. هذه الأعمال دفعت العلماء العرب إلى استعمال واعتماد على البرهان الأكسيومي إلى تحسين الاستدلالات الفلكية وهو الاتجاه الذي يمثله ثابت ابن قرة الذي لم يضف جديدا إلى النموذج البطليموسي بل استعاده بنوع من النظر في النتائج لتتوافق مع المبادئ التي ينطلق منها، أي العرض النقدي لنتائج بطليموس بخصوص مقدار السنة أو ما يسمى بمعادلة الزمن، لذلك نجد ثابت ابن قرة مؤلف كتاب”في سنة الشمس بالأرصاد” يرفض بشكل قاطع نتائج بطليموس وحساباته وشك في صحة أرصاده، حيث إن ابن قرة قارن أرصاد بطليموس بأرصاد ابرخيس معتمدا في ذلك على أرصاد ميطن واقطيمن، ليستنتج من خلالهما ضرورة رفض نتائج أرصاد بطليموس والإبقاء على نتائج ابرخس، واستنتج أن حركة الشمس كحركة وسطى يجب أن تحدد على فلك خارج المركز وليس على فلك البروج، وبذلك يجب أن تحدد السنة الشمسية بالمجال الزمني الذي تستغرقه حركة الشمس في انطلاقها من نقطة وعودتها إلى نفس النجمة وليس بإحالة الحركة إلى فلك البروج مثلما فعل بطليموس وهو مرجع تبدو الحركة من خلاله غير منتظمة وتتناقض مع مسلمة علم الفلك القائلة بالحركة الدائرية المنتظمة، الأمر الذي دفع ابن قرة في كتاباته الفلكية إلى افتراض مغاير لبطليموس يتم من خلاله إحالة حركة الشمس إلى الفلك خارج المركز وليس إلى فلك البروج مما مكنه من تحديد الزمن اللازم لرجوع الشمس إلى نقطة انطلاقها من فلكها في اقترانها بفلك النجوم الثابتة. وبالتالي يمكن القول أن ابن قرة تمكن بفضل الطابع البرهاني الأكسيومي الذي اعتمده في تحديد حركة الشمس من القيام برصد دقيق لمدراتها وضبط موقعها في السماء ومن ثمة إدراك علة اختلاف حركتها على نقط مسارها بفضل توظيف الهندسة الأوقليدية بآلياتها البرهانية بمعنى توظيف معطيات افتراضية تمكن من فهم أللانتظام الظاهر في الحركة للحفاظ على المبدأ القديم القائل أن حركة الكواكب حركة دائرية منتظمة. وهو منهج يجعلنا نؤكد على غرار مورلون أن ابن قرة منظر في علم الفلك وليس مجرد ملاحظ يرصد حركة الكواكب. وتعد أيضا أعمال الحسن ابن الهيثم العلمية فتحا جديدا ونقلة نوعية في عالم البصريات وفسيولوجية الإبصار، إذ بدأ بمناقشة نظريات أوقليدس وبطليموس في مجال الإبصار واظهر فساد بعض جوانبها حيث كان بطليموس يزعم أن الرؤية تتم بواسطة أشعة تنبعث من العين إلى الجسم المرئي،وقد تبنى العلماء اللاحقون هذه النظرية، ولما جاء ابن الهيثم قوضها وبين أن الرؤية تتم بواسطة أشعة تنبعث من الجسم المرئي باتجاه عين المبصر وبعد سلسة من الأبحاث أجراها، بين أن الشعاع الضوئي ينتشر في خط مستقيم ضمن وسط متجانس ،وقد اثبت ذلك في كتابه “المناظر”، كما برهن رياضيا وهندسيا على كيفية النظر بالعينين معا إلى الأشياء في أن واحد دون أن يحدث ازدواج في الرؤية برؤية الشيء شيئين وعلل ذلك بأن صورتي الشيء المرئي تتطابقان على شبكة العينين. في مجال الرياضيات عملت العديد من المصادر والأبحاث في تاريخ الرياضيات العربية (ق9هجرية/ق15م) على التنقيب في أصول العلم والكشف عن مضامينه، والوقوف عند نص”الجبر والمقابلة” للخوارزمي يبرز القيمة العلمية التي يطرحها النص كما احتضنه الفضاء الثقافي العربي في الإسلام، والإضافات التي يقدمها إلى تاريخ العلوم كحقل معرفي خاص. لقد دفع كتاب الخوارزمي هذا خلال القرن التاسع مؤرخي الرياضيات إلى القول بأن البدايات الفعلية لعلم الجبر كمادة رياضية مستقلة بذاتها لها آلياتها الخاصة وإجراءاتها العلمية ابتدأت فعليا مع هذا الكتاب،غير إن هذا القول لا يفيد عدم وجود معادلات جبرية قبل الخوارزمي بل على العكس نجد البابليين قد تعرفوا على معادلات من الدرجة الأولى والثانية هي أيضا متضمنة في كتاب “الأصول” لاوقليدس، إلا أن هذه المعادلات لم تقدم علما جديدا كما هو الأمر عند ابن موسى.



إن عرضنا لبعض جوانب من التراث العلمي الإسلامي الذي قلنا أنه إسهام جدي في الحضارة الإنسانية،لا يجعلنا نتماشى مع نفس الطرح للقراءات التمجيدية ذات النزعة الذاتية لهذا العصر، بل سنحاول إبراز بعض مظاهر تراجع النشاط الرياضي في مغرب العصر الوسيط وذلك بالوقوف عند نص ابن غازي المكناسي “بغية الطلاب” كما قلنا ضدا على تلك القراءات الإيديولوجية التي تعلي من شأن هذا العصر. إن نص ابن غازي هو شرح لأرجوزته منية الحساب والتي هي ترجيز لقضايا تلخيص أعمال الحسابي لابن المراكشي وهو كتاب تعليمي يعرض فيه مجموعة من القواعد والقضايا الرياضية دون برهان ولا تمثيل أو تدليل عليها، الأمر الذي استشكل على مدارك الطلبة فنتجت على ذلك شروحات ضخمة، غير أن الزخم المعرفي سيعرف تراجعا حقيقيا نتيجة الانتقال في التعليم من مرحلة التلخيص والتفاعل مع مادته الرياضية إلى مرحلة حفظ مسائله من خلال أراجيز تسهل الحفظ حتى يكون بإمكان الطالب عندما يسأل عن قضية رياضية ما أن يستظهر بطريقة آلية البيت الموافق لها وهذا ما شكل عائقا معرفيا وقتل الإبداع وحد من أفق التفكير.



 إن الهدف والغاية من هذه الورقة البحثية هو التعريف بالدور العلمي العربي خلال العصر الوسيط بغية نفض الغبار عن مساهمات العلماء العرب العلمية وقدرتهم على محاورة أعلام الفكر الفلسفي والعلمي السابقين عليهم والممتدين زمنيا إلى المرحلة اليونانية بهدف وضع العلم العربي في موضعه الطبيعي دون مبالغة أو تقصير وضدا على كل القراءات التمجيدية غير الموضوعية ذات نزعة ذاتية تعتبر العصر الوسيط مرحلة ذهبية،وبالتالي التأكيد على اهمية موضوع تاريخ العلوم في ابعاد النقص والعقد التي تكتنف مجتمعاتنا العربية في حقلها التربوي والتعليمي،لان هذا الموضوع يبرز كون تراجعنا الحضاري في مواكبة التطور،ناتج بالضرورة عن شروط تاريخية كانت عائقا امام حركتنا وليست مسألة التراجع متضمنة في ذواتنا،حتى لانبقى نميز بين عقل عربي وعقل غربي،او الدفاع عن مقولة العلم الغربي باعتبارها مركزية اوروبية تعود في أصولها الى المعجزة اليونانية كأول لحظة ينطلق منها العلم. هذه القراءة الاديولوجية تختزل الانتاج العلمي والفلسفي العربيين في الجواب عن اشكالية التوفيق بين الحكمة والشريعة،هذه.  الاخيرة (القراءة الاديولوجية) تركت فجوة عميقة في الحضارة الإنسانية لتجاهلها جدية واهمية المساهمة العربية التي لم تكن حسبهم سوى خزان لحفظ التراث اليوناني،وهو ما ذهب اليه كويري الذي اعتبر الثورة العلمية في عمومها عودة مباشرة الى العلم اليوناني ولاسيما المقاربة التي قدمها في كتابه “دراسات جاليلية ومن عالم منغلق الى كون لا متناهية”,غير انه بدأت هذه التصورات تتراجع امام بروز بحوث ودراسات تهتم بالتراث العربي الاسلامي في بعديه العلمي والفلسفي التي تعتبر ان التراث العربي الاسلامي اسهام جدي في الحضارة الإنسانية،الى درجة ان الباحثين من قبيل رشدي راشد ورجيس مورلون…وغيرهم يعتبرونه بوابة نلج من خلالها المرحلة الحديثة بثورتها العلمية.

زهير سطيح مدينة تمارة

طالب باحث  بجامعة ابن طفيل القنيطرة تخصص فلسفة.

اترك تعليقا

لن يتم اظهار بريدك الالكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها *

: / :