إن كل الثقافة مهم بلغت من ازدهار و تقدم أو انحطاط و فشل إلا و كانت لها أصنام تعبدها و تمجدها و تدخل ضمن المقدسات محلية لها أو الرموز التي تؤمن بها و تمجدها، و الحديث هنا عن ثقافتنا العربية و أصنامها..
فما المقصود بالثقافة ؟ و ما هو الصنم أو الأصنام ؟
لا شك في أن مفهوم الثقافة مفهوم واسع و لا يمكن إعطائه حد دقيق، و خصوصا عندما يرتبط المفهوم بسياق تاريخي معين، لكن ما أقصد به أو ما أريد أن أعبر عنه بالثقافة هي ذلك السلوك الجماعي الذي يكتسبه الفرد منذ نشأته و يتم تلقينه لمجموعة من المعتقدات الاجتماعية و المبادئ العرفية و الأخلاقية كطريقة الأكل و الملبس ، طقوس الزواج و الأعياد، و طريقة الغناء و الرقص و التواصل… كل هذا يشكل البنية الثقافية لمجتمع أو أمة معينة، و هو أيضا ما يشكل معالم الثقافة العربية التي لديها عديد من أوجه التشابه أو أقسام مشتركة تجعل هذه الثقافة واحدة، لكن قبل تحديد هذه الثقافة يجب أن نعلم أن الثقافة العربية لها حدود جغرافية مما يساهم بشكل كبير في تفاعل و نشاط هذه الثقافة بشكل كبير، إن الحدود الجغرافية للبلدان العربية من المشرق الى المغرب تلعب دورا مهما في نشاط هذه الثقافة و التفاعل فيما بينها بل أكثر من هذا إن كل هذه الرقعة الجغرافية لها نفس الدين ( الإسلامي ) و نفس الهوية ( العربية )، و هذه هي أوجه التشابه بين هذه البلدان مما يجعل الثقافة العربية ثقافة واحدة و ليست متعددة، أي أنها تؤمن بنفس الدين و بنفس الأفكار ، رغم أن هناك بعض الاختلافات و لكن تبدو جزئية بسيطة لا تظهر أمام التشابهات الموجودة في هذه الثقافة. لكن و بانتقالنا إلى مفهوم الأصنام يجب ان نوضح ما هو الصنم أو الأصنام فالمفهوم يمكن أن يأخذ هو أيضا عدة تجليات كالصنم أو الأصنام أو الوثن و هي تمثال أو رمز للإنسان أو الجن أو الملاك أو الآلهة يصنعها الإنسان ليعبدها و يتخذها إلاها، و يتقرب إليها بالتدلل و الخضوع، و هنا يجب أن نميز بين نوعين من الأصنام :
الأصنام التي يصنعها الإنسان من الطبيعة ليعبدها و تكون مادية ملموسة كالأصنام بالحجر أو طوطم في الهند او بعض البلدان في اسيا. و الأصنام الفكرية التي يؤمن بها الإنسان هي أيضا لكن تكون مجردة بمعنى أنها أفكار تسيطر على عقله و تؤثر في سلوكه، فما أقصد به بأصنام الثقافة العربية ليست هذه الأصنام المادية التي يجسدها الإنسان من الطبيعة ليعبدها بل أصنام فكرية و عقائدية التي تسطير على عقله و تكبله بسلاسل متطرفة تحد من قدرته على إستعمال عقله بشكل طبيعي، فالكائن العربي يؤمن بمجموعة من الأشياء و هو مستعد أن يموت من أجل هذا الإيمان لكن هذا الإيمان ليس له أساس عقلاني و مبررات برهانية مما يجعل منه كائن يؤمن بالمسلمات فقط، فمن بين هذه الأصنام التي يؤمن بها نجد على رأسها الدين أو المعتقد عندما نقول الدين فنحن هنا نقصد الدين الإسلامي، فالثقافة العربية تؤمن بالدين الإسلامي و كل ما يتعلق به و لا تستعمل حاسة النقد أو التحليل مما يدل على أنها ثقافة نائمة لا تنتج، لكن لا نقصد بأن الدين الإسلامي صنم بل ما يحيط بالدين الإسلامي من تصورات و أفكار أصبحت أصنام يؤمن بها العرب و لم يفكروا يوما فيها و من بينها رجال الدين الذي يلعبون دور الله في الأرض و الجماعات الإسلامية التي بدأت تنتج إسلاما خاص بها كما أصبحت تحلل و تحرم و تجتهد إجتهادات ليست في محلها، أصبحت تجليات الدين أصنام للعرب و للثقافة العربية بالأخص، مما جعل من التشدد يقوم مقام العقل. هذا فيما يخص الصنم الأول أما الصنم الثاني فهو السياسة التي هي بدورها في التقافة العربية تستمد مشروعيتها من الدين، صنم السياسة لا ينفصل عن صنم الدين في الثقافة العربية و هذا ما يجعل النهضة العربية تموت قبل ولادتها، ليس هناك فصل بين السياسة و الدين، مما يجعل السياسة تنعدم فيها الكفاءة و حسن التسيير، بل أكثر من هذا فالكائن العربي لا يريد من أي حزب أن يقوم بتسير الأمور السياسة إن لم تكن له مرجعية دينية إسلامية، و هو أيضا يبحث عن من سيطبق شرع الله على أرضه، فهذا أكبر خطأ في الفهم لأن أمور العقائد ليست كأمور المصالح، و بالتالي لن تنجح الثقافة العربية في التقدم بدون فصل الدين عن السياسة و فصل هذين الصنمين الذين يتحكمان في الوعي العربي، يبقى آخر صنم من هذه الأصنام و هو صنم المرأة، و الذي يتجلى في مفهوم الجنس و الشرف، ينظر للمرأة في الثقافة العربية انطلاقا من مجموعة من المفاهيم فالمرأة الصالحة هي التي تحافظ على شرفها و هي التي تطيع زوجها، لا يجب أن تختار المرأة في الثقافة العربية زوجها و لا يجب أن تعمل ثم لا يجب أن تكون لها الحرية في اللباس و العمل، كل هذه الأفكار تحد من حرية المرأة مما يجعل المرأة دائما مقرونة بالجنس و الشرف و كأنها أداة للولادة فقط، بل لا ينظر للمرأة إلا كجسم يبحث فيه الرجل عن إشباع رغباته الجنسية، هذا ايضا صنم من الأصنام التي تسيطر على الوعي العربي، و لن تتحرر الثقافة العربية من هذه الأصنام إلا بتحطيمها و تكسيرها من أجل النهوض بالمجتمع و من أجل التحرر و تحقيق المساواة بين جميع الأفراد؛ إن ما تعيشه الثقافة العربية اليوم من انحطاط أخلاقي و إجتماعي و ثقافي راجع لهذه الأصنام التي أصبحت ضرورية في حياة الكائن العربي بحيث لا يستطيع أن يفكر إلا من خلالها إن العقل العربي أصبح محدودا في تصورات أو مقولات حلال أم حرام و هذا هو تجلي الدين، تجلي السياسة يظهر في هل هذا الأمر الإسلامي أم غير الإسلامي، تجلي المرأة يظهر انطلاقا من التفكير هل هي فاسدة أم صالحة، بمعنى أن العقل العربي أصبح محدود التفكير و أصبح كالآلة التي يجب أن تصنف الأشياء ضمن هذه الثنائيات.
زكرياء الساسي – مدينة القنيطرةطالب باحث في شعبة الفلسفة بجامعة ابن طفيل
الله يوفقك