سئلت قبل قليل إن كنت أتلقى مكافأة مالية مقابل ما أكتبه. كان سؤال السائل محبا للعب والحيوية، محبا للتكاثر والتوالد. لم يكن يعرف للعقم معنى، فمضى بي لأطرح سؤالا آخر: هل عندما يزورنا الإبداع ونرحب به بكل ما حبانا الله من حواس، هل نفكر ساعتها في المكافآت المالية؟
إن السائل رحل بي إلى عوالم تتلألأ فيها الأسئلة، وتتسابق كل منها في المثول لتطرح كلماتها. عن نفسي، عندما يحضر الإلهام الفوضوي والمنتشي بحريته المطلقة في الذهاب والإياب، والذي لم يحتج يوما تأشيرة ولا موافقة مني شخصيا لأستقبله. هذا الإلهام الذي يأتي ويغيب ويحجر نفسه أحيانا، يجدني عند قدومه كمن يتهيأ لصيد سمكة، وسمكتي هنا تكون شيء من الإبداع.
هكذا عند قدومه، أحاول جاهدة التخلص مما يعوق طريقي. إن نجحت في ذلك، عانقنا بعضنا أنا والإلهام وحضنا بعضنا بقوة وأجعله يحس بسعادتي العارمة لقربه مني. ولا أخفيكم الأمر، قبل ذهاب الإلهام، أعود طفلة متشوقة إلى هدية منه أحتفظ بها للذكرى. هذه الذكرى أدونها حتى لا تضيع مني، أحيانا أسجلها في حسابي الفيسبوكي، أو في مجموعات فيسبوكية كغاليري الأدب، أو جامعة المبدعين المغاربة أو جامعة سوا ربينا للثقافة والفن، أو مجلة الاتحاد العام للمبدعين في المغرب. وقد ينشر لي ما دونته في كتاب ورقي، أو في مجلات إلكترونية كمجلة عناقيد أو مجلة الغاوون للأدب والفن…
وللإشارة، لا يفوتني هنا أن أحيي القائمين على هذه المجموعات الفيسبوكية، ذلك لأنهم يعتبرون من مشجعي المواهب العاشقة لفن الأدب ولأنهم يبادرون أحيانا بنشر ما أبدعته أنامل المواهب الصغيرة في إحدى المنابر الإلكترونية أو في إحدى الصحف الورقية. مبادرة جميلة تستحق الشكر والتنويه، هذه حقيقة ملموسة، ذقت طعم سعادتها عندما رفرف منشوري “ثلاثية الجمال” عاليا خارج العالم الأزرق.
مهما اختلفت طرق النشر، يبقى هاجس صاحب القلم هو كيف يشارك عشاق الأدب وأصحاب الذوق الجميل، ما خطته أنامله من سرد لذكرى خالدة وهي الذكرى التي تركها له الإلهام قبل سفره. ذكرى الإلهام التي يصبح لها دور عظيم في التنمية والمعرفة وتشجيع القراءة، كما يصبح لها دور في التعريف بالجمال وحب الحياة، ويصبح لها دور في تحبيب الأدب إلى كل العالم.
معاناة جميلة وحلوة يعيشها صاحب القلم في كل مراحلها، وليس صاحب القلم وحده، بل صاحب الريشة، وصاحب النغمة الموسيقية، والرياضي، والمسرحي، والمعلم والأستاذ والجامعي، وربة البيت… وفي كلمة جد مختصرة، أقول إنها معاناة جميلة يعيشها كل مبدع حقيقي على وجه الأرض.
بعد هذه المعاناة، يحتاج المبدع أولا وقبل كل شيء مكافأة معنوية وذلك تكريما وإكراما لهدية الإلهام الخالدة.
وهنا يرجع ويقف أمامي سؤال السائل، أراه يلعب بكل نشاط ويحاول زعزعتي بثرثرته القوية ويرمي بكرة ثقيلة تحمل الكثير من الأسئلة: لو وضعنا المكافأة المالية في كفة والمكافأة المعنوية في كفة أخرى؟ ما التي ستعلو؟ المكافأة المالية أم المكافأة المعنوية؟ هل الكفتين متعادلتين في الميزان؟ هل هما مختلفتين أم أن لكل منهما رحيق مميز وليسا أبدا مجالا للمقارنة؟ أم أن المكافأة المالية تكمل المكافأة المعنوية؟ أم أن العكس هو الصحيح؟
سؤال السائل ليس عقيما، مشاغب مشاكس لم يكتف بهذا القدر من الأسئلة بل أنجب سؤالا آخر: هل المكافأة المالية هي نفسها المعنوية؟ ثم يضيف: هل رؤية المبدع المحترف للمكافأتين هي نفس رؤية المبدع الهاوي؟ سيدتي، هل هناك مبدع محترف ومبدع هاوي؟ ثم فيما تقدر مكافأة المبدع المالية؟ وإن كانت معنوية، فكيف تكون؟
اللعنة! يكفي، أتخمتني أيها السؤال بأسئلتك الفلسفية، تعلم أن تنتظر جوابا قبل أن تطرح سؤالا، لا ترمي بأسئلتك هكذا. الآن توقف أرجوك! يكفي أرجوك! لو كان بإمكاني لناولتك حبوب منع الحمل لتصبح عقيما. توقف أرجوك أتخمتني!
قبل أن أختم حروفي هاته، لا أخفيكم الأمر، يبدو أن أشعة السؤال رهيبة ولها جاذبية قوية، فقد بدأت مخيلتي تبني صورا وأشكالا المكافأتين. فهل يا ترى قد تصيب مخيلتي فيما تصورته عندما أكافأ؟! ربما! من يدري؟!
خديجة الخليفي – مدينة سلا
اترك تعليقا