في الصباح الباكر وعلى أنغام ” أم كلثوم ” الشجية، يحتسي ” فريد ” فنجان قهوته كما درج، يأخذ في تجهيز نفسه ويأخذ محفظته التي كان قد جهّزها منذ الأمس لأنه يومه الأول في العمل بعد العطلة الربيعية، التي دامت خمسة عشر يوما، مبكّرا حمل ”فريد” نفسه وهمّ خارجا من المنزل ودعوات أمه ”فاطمة” وقبلاتها تنهال عليه كقطرات المطر، ربما لم يكن يريد أن يتأخر عن عمله أو قد يكون اشتاق لجو العمل و لمتعلميه، و على كل حال وصل ” فريد” مقر عمله بعد أن قضى ربع ساعة في الطريق مشيا على الأقدام، لأن الرجل لم يتمكن بعد من اقتناء سيارة، فالأجر الذي يتقاضاه كان يصرفه في شراء الأدوية لأمه ”فاطمة” المصابة بالسكري والباقي يسد به ثمن الشقة التي يستأجرها، فضلا عن الماء والكهرباء ثم المأكل .. وعلى كلّ وصل معلمنا إلى المدرسة الابتدائية التي يشتغل بها معلما، بحيث يدرس اللغة العربية والفرنسية وكذا الرياضيات! لتلامذة القسم الأول والثاني ابتدائي، وكما أراد فقد وصل مبكرا بنحو نصف ساعة عن الدخول، ورغم أنه كان يتوقع أن يجد تلامذته أمامه متحمسين لاستئناف الدروس من جديد، إلا أن ذلك لم يحدث ! استغرب ”فريد ” الأمر قليلا .. ! يخاطب نفسه قائلا : ” ما الأمر ..؟ لم يتبقى إلا نصف ساعة و تفتح المدرسة أبوابها لاستئناف الدروس .. ! لكن أين التلاميذ إذا لم يكونوا قد وصلوا إلى حدود الساعة ؟!
ساد نوع من الهدوء الحذر ! وبقي الانتظار سيّد الموقف، بحيث ظل ”فريد” وصديقه ”خالد” الذي وصل بعده بدقائق ينتظران..، كان ”خالد” رجلا طويلا في الثلاثين من عمره على خلاف ”فريد” الذي كان شابا لم يتجاوز العشرين عاما إلاّ ببضع سنين، كان ذو شعر أسود، وعينان واسعتان، وأنف طويل، ولحية قصيرة، كان يرتدي وزرته البيضاء وحذاءه الأسود الذي يظهره في هيئة رجل أخذ في الحياة و أعطى!
الثامنة والنصف صباحاً، ها هي ذي أبواب المدرسة تُشرع، لكن لمن ؟ ما من تلميذ ليدخل ! وهذا ما زاد من حدة استغراب ”فريد”.. أراد أن يستفسر مدير المدرسة عن ذلك لكنه كان لم يصل بعد، من جديد يتجه إلى نفسه ويخاطبها : انتظر يا ”فريد” ! لقد تذكر أنه يتوفر على رقم أحد مسؤولي جمعية أولياء أمور التلاميذ، بسرعة حمل هاتفه وأخذ في البحث عن رقم الرجل، ويداه ترتعشان .. وجد الرقم أخيرا، اتصل به مستفسرا إياه عما يحدث ..! رد عليه الرجل قائلا :” ليس عليك أن تستغرب من ذلك يا فريد ! فبعد كل التظاهرات التي خاضها الأساتذة، لم يجد إعلامنا ومسؤولونا من حل للإنتقام إلا الترويج للأكاذيب .. فهناك أخبار منتشرة على نطاق واسع تتهم الأستاذ بإهدار الزمن المدرسي للتلميذ، وهذه الأخبار أثرت على المتعلمين ورفضوا الالتحاق بفصولهم الدراسية.”
زادت غرابة فريد .. واحمرّت عيناه، وتبدّلت ملامح وجهه، وتسارعت دقّات قلبه، وبقيت أسئلة كثيرة تأتي وتغيب عن ذهنه، أسئلة قاتلة كما لو كان يحتضن قنبلة!..
وأخيرا تمكن من السيطرة على غضبه، وقام بإخراج أحد الأسئلة إلى العلن، يتساءل : يا لحقارة الأمر ! كيف لمسؤولين كبار في الدولة أن يسخّروا إعلامهم الفاشل لنشر الإشاعات والأكاذيب للإنتقام ولو على حساب المتعلمين الأبرياء ؟! لم يدر ”فريد” إلى أين سيتوجه بهذا السؤال ؟! فقد تاهت خطاه، كرجل تلقى ضربة ممن لم يكن يتوقع ذلك، وتساقط العرق عن جبينه، ولم يدر ما سيفعل ولا ما سيقول .. ! فهناك الكثير ليقال وليس هناك شيء ! أو ربما ليست هناك كلمات قادرة على الكلام والوصف ! إنه أمر صعب حين تعجز اللغة، ويبقى الصمت سيد الموقف،.. ”م.. ستق..قبل التت..لاميذ يا خ..الد” يخاطب صديقه وهو يرتجف.
وبينما هو يأتي ويذهب، وصوت حذائه يُسمع كأنه عقرب ساعة (تك .. تك)، يستيقظ! فيجد نفسه لم يكن إلا حالما، وأنه لازال هناك يومين كاملين على انقضاء أيام العطلة الربيعية..
حسن بوجات – مدينة الخميسات.
اترك تعليقا