-العالم عبث !!
-لم ؟!
– إننا نعيش أليس كذلك ؟ لكننا في الحقيقة لا نعيش ! إننا نتقلب في هذه الحياة المزعومة ! نتخبط، نسقط في حفرها، ٱبارها الغارقة، إننا لا نعيش بل نشقى : العالم شقاء! فنحن لا نعيش الحياة، بل إن ما نعيشه هو الشقاء.
إن كل من تحدثه عن هذه العبثية التي تلف الكون وتتحكم في كل تفاصيله وتستولي عليها، يجيبك بالمتشائم! يهربون منك، فتنعزل ! وحين تفعل ينعتونك بالمريض! هذه رسالة تركها أحد المنتحرين الذي لم يجد لعبثية الكون حلا للخلاص غير الموت، فالموت هو الخلاص ؛ فسقراط نفسه، الفيلسوف اليوناني حين حان موعد وفاته، طلب من تلميذ له أن يسد دينا له على أحد الٱلهة ولعل ذلك رغبة منه في شكره بأن وهبه الموت، التي كانت بالنسبة له خلاصا !
إن الوجود شقاء، فنحن لا نجني شيئا من حياتنا المزعومة غير الشقاء، فكلما تخبطنا في دوامتها، ازددنا شقاء، وكلما اعتقدنا أننا أحياء كلما ازددنا حزنا وتعاسة!
-لكن ما مصدر هذا الشقاء ؟!
-إن العالم بعبثيته هذه، لا يتطلب منّا وعيا! فكل ما علينا فعله -لكي ننعم بأقل درجات الشقاء- هو العيش في جهل مهتدين بعواطفنا وتفاؤلنا الطوباوي، الذي لا يجد نظيرا له في الواقع! وهو ما يوصلنا إلى مكان لا نستطيع فيه تحمل الصدمات، لأننا في الحقيقة لم نكن قد استعددنا لهم من قبل! فالعالم كما ذكرت نظرا لحجم العبث والتفاهة التي يدور بنا في فلكها، يحتم علينا ألا نكون واعين، كشرط لا محيد عنه للعيش في ” سعادة ” و ” طمأنينة ”.
إن ما أعتبره شخصيا هو عكس ما تمت الإشارة إليه! ذلك لأننا إذا تجردنا من الوعي كيف سنكون”سعداء” بدونه!؟ وإذا ما تجردنا منه وكنا واعين فعلا، فكيف سنكون سعداء، في ظل ما سيهتدي بنا وعينا إلى اكتشافه من عبث و تفاهة في الحياة!
إن العالم في الواقع هو بلون هذا الكوب من القهوة في جهتي اليسرى! لكن الفرق يكمن في دور كل منهما، لأنه في الواقع، يؤسفني أن أقول أنه ليس للعالم أي دور! فمتى كان للعبثية دورا؟، أما كوب القهوة فهو الذي اهتدى بي إلى اكتشاف ما قلته سلفا، وبالتالي يكون الثاني أنفع من الأول، ويكون هذا الأخير بلون الغرق!-كما عبر عن ذلك ”سيوران” حين عنون كتابه ” المياه كلها بلون الغرق”.
-لكن، ما هو السبب الأهم الذي جعلك ترفض الوجود؟
-هل سبق وسألت نفسك ” لماذا نعيش ”؟ أعتقد أنك لم تفعل ! هذا شيء لا أندهش أمامه، لأن هذا ما يروم إليه العالم عندما أراد تجريدنا من الوعي، وأظنه نجح في ذلك!
إننا نعيش لأجل أن نموت : فلماذا علينا أن نزداد ؟ لماذا علينا أن نبتسم في صغرنا ونلعب ؟ لماذا علينا أن ندرس ونشتغل ؟ لمذا علينا أننجهد أنفسنا فيوهذا العالم ؟ ألكي نحصل على منصب؟ ولكن لم ؟، والسؤال الأهم لماذا نحيا ؟.
إنني لا أظن أن هناك سببا يجعلنا نسعى إلى تحقيق أهدافنا المزعومة، إذا ما وضعنا في الحسبان أننا ميتون! فمصيرنا محدد سلفا! ولعل هذا يعد أبرز سبب يجعل كل شخص واع، يرفض التخبط في هذا الوحل! إنه بالفعل وحل تعتقد فيه أنك تتقدم لكنك في الحقيقة تغرق! إن الوحل/ العالم يستدرجك إلى مصيرك المحتوم! أنت فريسته، وهو الوحش الذي لا ولن يتوان في الإجهاز على أي فريسة ينجح في استدراجها بعد أن يجردها من وعيها! وفي حالة لم تجرد من الوعي فإن العالم لن يكون مضطرا لاستدراجها لأنها تعلم سلفا مصيرها!!!
إن العالم مليء بالٱلام والعذاب -بتعبير شوبنهاور- بل أكثر من ذلك فالحياة شر، لأنها حرب .. يكفي أن تنظر في كل شيء، لكي تتأكد حين لا ترى شيئا غير الصراع والنزاع! فالحياة في مجملها مؤلمة جدا، فإذا تأملناها وجدنا أنها تتغذى عن جهلنا بها!
وختاما، تخيل أني قمت بعرض كل ما تعرضت له في حياتك من ألم وبؤس، وما مررت به من لحظات التعاسة والمعاناة، أمام انظارك، ماذا ستفعل حينها ؟ أستخاف ؟ تنهار ؟ إني أظن أنك ستمتلىء رعبا .. ولو أخذنا بيد المتفائل وتوجهنا به إلى المستشفيات ودور العجزة والمقعدين وغرف العمليات، ولو خرجنا به إلى الشارع حيث التسول واستغلال الأطفال، وعدنا به إلى السجون وغرف التعذيب وقطع الأيدي! وحظائر العبيد، ولو سمحنا له – إذا استطاع- أن ينظر إلى السجون التي يموت فيها الناس من الجوع والألم والبرد! لعلم هذا المتفائل أخيرا حقيقة هذا العالم، ولاكتشف أنه لا فائدة منه وليس أحق بأن يعاش! إنه شقاء.
إن العالم في الدين الإسلامي، بل وفي أغلب الديانات السماوية الأخرى، كان بمثابة عقاب ! فٱدم نزل إلى الأرض معاقبا! وبالتالي فمن المستبعد الحديث عن عقاب سعيد!! إنه لتناقض صارخ ! فكفانا بحثا عن السعادة وكفانا تفكيرا طوباويا وإغراقا في المثالة!.
حسن بوجات – مدينة الخميسات.
طالب شعبة الفلسفة، بالمدرسة العليا للأساتذة – الرباط.
اترك تعليقا