من أبين أكثر الظواهر المستفزة و المنتشرة بكثرة في مجتمعاتنا هي أن يتعامل المجتمع مع من يمتلك قدرا من الوسامة بلطف و حب أكثر من غيره لا وبل قد يعاني من لم يكن له حظ من الجمال الخارجي من التنمر و السخرية و حتى النفور في بعض الأحيان .. ليس لشيء فقط لأنه ولد بمعايير جمالية عادية لكن الأمر أكثر خطورة و تحيز على المستوى الأنثوي فالإناث هن ضحايا التنشئة الاجتماعية التي صرن بناء عليها مهووسات بالاهتمام فقط بالجمال الخارجي في حين نجدهن فارغات من الداخل ، وعيهن لا يتجاوز أنوفهن يرتفعن بالكعب العالي بينما ينخفضن درجات في مستوى العلم و الثقافة …و يوجهن بوصلة اهتمامهن بنحت القوام حتى يغدو رشيقا و متناسبا مع معايير الجمال الكبرى ، طبعا هن يقمن بكل هذا مرغمات لأن قاعدة مجتمعية مفادها ” أن الجميع سيحترمونك و يبدون إعجابا مبالغا فيه إذا ما كنت وسيما و تمتلك قسمات و ملامح جذابة و جسم متناسق ،” لذا نجد أغلبهن يحاولن جاهدات أن يتشبهن قدر الإمكان بالممثلة الفولانية و المغنية المشهورة ذات الجسد المثالي … كل ذلك حتى يحضين باعتراف المجتمع من حولهن ، و عندما لا يحصلن على مبتغاهن يضحى الألم النفسي و ما يصحبه من اضطرابات على مستوى كل من الصحة النفسية و الجسدية هو المعاناة الأكبر ، و يصبح الهاجس هو أن يظهرن بمظهر باهر و جميل كله لغاية أن يعجب بهن كل من يقابلهن في طريقه طبعا الأمر ينطبق أيضا على الذكور غير أني أجد أن الموضوع له تأثير أكثر على الإناث اللواتي جبلن على حب الجمال و ترعرعن على ضرورة الانتصار في حرب الجمال الكبرى التي يخضنها يوميا .
إن أن تحظى الفتاة بجسد جذاب و وجه فاتن قد يفتح لها الكثير من الأبواب المغلقة ربما لن تفتح لغيرها ممن يمتلكن جمالا أقل حتى ولو كان هناك تكافؤ في مستويات أخرى – المعرفية و العلمية مثلا – و هذا ينطبق على جميع مناحي الحياة تقريبا ( المقهى ، الجامعة ، المحلات التجارية … ) قد تعامل تلك الوسيمة بشكل ألطف و أفضل من غيرها و المشكل أن الأمر غير منطوي فقط على العامة من الناس بل ممن يحسبون من النخبة المثقفة و من بلغوا من العلم و المعرفة عتيا ، تجدهم و للأسف ينتهجون نفس طريقة المعاملة مع من تمتلك جمالا ملفتا أكثر من غيرها و قد تجدهم هم أنفسم في إطار ما يسمى ” بالنفاق الاجتماعي ” يتغنون في مواقع التواصل الاجتماعي أو في النقاشات الدائرة بينهم بجمال الروح و أنه هو المعيار لتقييم الإنسان و لكن الواقع شيء آخر فلا غرو أن تلاحظ من يدافع عن القيم و المبادئ في الخفاء ينسلخ من ذاك القناع و يعامل الناس بحسب جمالهم و وسامتهم .
أجد أن مرد ذلك كله هو العنف الرمزي الذي يمارس على الشخص بشكل عام و الأنثى بشكل خاص حيث تتجلى خطورة هذا النوع من العنف في كونه خفيا و غير ملموس و لا يحتاح آليات لإظهاره للعوام حتى يقتنعوا فعلا أنه عنف و بالتالي يبدوا ظاهريا أنه أمرا عاديا و لا يؤذي ؛ غير أن آثاره البعيدة المدى جد وخيمة على شخصية الفتاة بحيث يصبحن أكثر عرضة للأمراض و العقد النفسية فنلاحظ أن الكثيرات منهن يبدين اهتماما مبالغا فيه بمظهرن و قد يبدأ ذلك الهوس بالجمال الخارجي في سن صغيرة كله بسبب أن تفوز ” الفتاة ” بمكانة عالية ضمن الجماعة التي تنتمي إليها خصوصا و تثني عليها الألسن في كل وقت و حين ، و تنال تقدير يليق بالأنثى التي تسعى أن تكون وحيدة زمانها و لعل التهافت الكثير حول مسابقات ملكات الجمال خير مثال على هذا .
قرأت ذات مرة قصة لها بليغ الأثر على نفسي يروي فيها كاتبها حياة شخص كان دميم الخلقة و كان وحيد والديه توفيت والدته فقط من شدة قهرها عن ابنها الذي بات محط سخرية من كل من يقابلهم في طريقة و مصدر لتأليف النكت بين الصغار ، فقد لقب بأبشع الألقاب نتيجة لتقطيعات جسده الغريية و ملامحه المنفرة حتى أنه رفض من جميع بنات حواء اللواتي قصدهن من أجل الزواج فبقي وحيدا يعاني ألم النقص و الحرمان و الإقصاء الاجتماعي رغم أنه كان يطوي بين جوانحه قلبا نقيا و طاهرا و يتميز عن غيره بأخلاق سامية و لكن تواجده في مجتمع لا يهتم إلا بالمظاهر و القشور جعله ينطوي على نفسه و ينعزل عن العالم محاولا أن يخفف من وطأة ألمه حتى حدث ذات مرة أن قابل بالصدفة فتاة جميلة في عمر الزهور غير أنها كانت كفيفة ووجدها فرصة ذهبية للظفر بها فهي في جميع الأحوال لن تستطيع رؤية قبحه و بشاعة منظره ، فتزوجته بسبب ما لمست فيه من حسن للمعروف و طيب المعاشرة و لأنها رأته بقلبها و ليس بعينيها و عندما استردت بصرها أصابه خوف و غم لم يصبه مثله قط حيث أنه خشي أن تتركه و تمضي في سبيلها عندما تشاهد دمامته لكن ما حدث هو العكس تماما فقد ازدادت تمسكا به و أحبته أكثر من السابق و زرعت فيه ضرورة تقبل نفسه و الفخر بأخلاقه و قيمه العالية .
قصة تركت في نفسي عبرة أن أرى الآخرين بنظرة مغايرة و احترمهم و أحبهم ليس بسبب جمالهم الخارجي الذي لا يعنيني أبدا و لا شأن لي فيه و أن ألمس جمالهم الحقيقي الذي سيتجلى بوضوح في أرواحهم النقية و مبادئهم السامية و علمهم الغزير و ثقافتهم الواسعة …
كم وددت في العديد من المواقف و الكثير من المرات لو أخبر أحدهم كم هو جميل و رائع ، و لكن مخافة أن يعتقد في قرارة نفسه أني أقصد شكله و مظهره أتراجع لأن المجتمع وضعنا في قوقعة من الصعب الخروج منها رسخ في أذهاننا فكرة أن الجمال هو فقط خارجي لا يدل سوى عن وسامة الملامح و قسمات الوجه .
إن بسبب القاعدة المجتمعية ” كن وسيما تكن محبوبا أكثر ” اندفع الكثيرين لتوجيه كل اهتماماتهم بقالبهم متناسين جمال القلب الأساسي و تسليط الضوء على الجوهر و اللب الذي ينبغي أن يكون فعلا هو مركز العناية و الاهتمام و السعي قدر الإمكان على الرقي روحيا و معنويا حتى يتم السمو بالنفس نحو المعالي
حسناء المرابط تكتب: سيحبونك أكثر إن كنت وسيما
22 يوليو 2020و إفادة المجتمع و المضي به قدما للالتحاق بركب الحضارة و التقدم .
حسناء المرابط – مدينة الحسيمة
اترك تعليقا