كانت متعبة حد الإرهاق تشعر أن تحت جفنيها كوما من الرمل نعاسا وفكيها يكادان ينخلعان من التثاؤب، أغلقت باب غرفتها وبدأت رويدا رويدا تغوص في اغفاءة ستجعلها بعد لحظات كميت قديم متحلل الحواس والعصب من التعب .. وحدث كل شيء فجأة .. طرقات هادئة متتابعة على باب الحجرة انتزعتها انتزاعا من فراشها اذ بها زوجة أبيها
قالت : رافقيني لأسفل
تساؤلات وحيرة تعصف براسها … ماذا تريد مني ! وقد انهيت كل اعمال التنظيف والغسل مع نزولها لأسفل تلقت الصدمة إتهمت بالسرقة كانت زوجة أبيها واختها يتهمونها بسرقة قلادة وأمرتها أن تعيدها بحلول الصباح أو تشكيها لأبيها ، عاد الكل لفراشه
المسكينة خرجت للشارع، الشوارع متشابهة ، والأزقة تأخذ بها الى دروب أخرى ، وهي في دوامة ،إلى أين تولي وجهها؟ آذنت الشمس بالمغيب ،وأوشك نور النهار أن يودعها ،خرجت مسرعة من البيت بعد أن أسيء إليها، لم تعتاد سماع تلك الكلمات الغاضبة المهينة ، وهي ابنة أبيها فقدت أمها الحبيبة وارتأى أبوها ان يتخذ لها أما بديلة مازالت طفلة وتحتاج الى من يقف بجانبها معبدا لها الطرق ومسهلا عليها وعورة المسالك ، خرجت مسرعة بعد ان أسمعوها تهمة بريئة منها ، فمن يقف بجانبها مدافعا ، ذائدا تلك الاتهامات ؟ وأبوها مريض ، قد حذرها الطبيب من إغضابه ، وسرعة انفعاله ،الظلام أوشك ان يهبط بكله وهي أرغمت على المغادرة تعرف الى اين تذهب ، زقاق قصير فيه أربعة بيوت وفي بدايته مخبزة وأول بيت لونه ابيض ، قد صبغ حديثا ، وليس من المعقول الا تعرفه وقد زارت أهله مرات مع أبويها
تسيرفي الشوارع العديدة ، شارع يمضي بها الى آخر ، وهي تريد ان تصل إلى مبتغها قبل أفول الشمس ، وتوديع أشعتها الذهبية
– اذهبي من هنا لم يعد لك مكان بيننا هكذا اجابها عمها عندما قصدته
لم تكن تتوقع ، ان الأمور تصبح بهذا السوء ، الجميع كان يرأف لحالها وقد تبدلوا ، وأبوك مريض ، ليس من السهل عليه أن يغضب ، وهي حريصة على صحته ، هو الوحيد الباقي لها
يؤلمها البرد الشديد ، وينهك أصابعها المتجمدة في هذه البرودة القاتلة بالظلم ، أمها توفيت ، وأبوها يظن انها وجدت البديل ،عن الأم الراحلة وتحرص على تعليمها ، مهارة النساء منذ نعومة أظفارها ،أنهك عظامها التعب، وأتعبها المسير الطويل ،تيبس عظام كفيها الصغيرة ، وتجمدت أصابعها الرقيقة أدركها الجوع ولم تعد قدماها يتحملان الاستمرار نامت في الشارع لتنسى جوعها اذ تأتيها زوجة أبيها في الحلم أتتها غاضبة ، تصفعها صفعات متتالية وهي تصرخ وتبكي في حلمها
أتلفتي الطاقم الذي كان محل فخري واعتزازي
تمسك صحنا آخر وترمي به بقوة على الأرض ، وآخر ورابع ، ومع كل صحن تتخبط البنت في حلمها
ارتفعت الشمس فوق المدينة وتم الإعلان عن إيجاد جثة بنت صغيرة
ايمان بلمداني – الجزائر
اترك تعليقا