بفستانها الاحمر الجميل وحدائها الاسود الجلدي ممسكة يد امها حاملة على ظهرها محفظتها الوردية المزينة بصور ابطال مسلسلاتها الكرتونية ، غادرت صاحبة الضفيرة منزلها تتباهي كأنثى الطاووس سعيدة فخورة بحلتها الجديدة، تمشي بخطوات محسوبة ومدروسة ، راقصة باليه تعرض امام معجبيها رقصتها الاخيرة، وقفت امام كتاب الحي نظرت طويلا الى بابه المغلق ثم تابعت طريقها قالت لامها: قد تأخر الفقيه سي الحسن ، ردت الام : لا يا ابنتي نحن خرجنا باكرا ، مادا تريدين منه؟ وانت التي تنعتينه دائما بالعبوس ، اجابتها صاحبة الضفيرة: اردت فقط القاء التحية عليه، ليس مهما ساراه عند عودتي من المدرسة ،القاء التحية لم يكن سوى اعتراف بالجميل وشكر لمن لقنها اول حرف ،ووداع اخير.
وصلت الى المدرسة ، قبلت امها ، حضنتها بقوة ، مشت خطوات قليلة ، ثم نادتها من جديد: ماما: أرجوك قبلي دميتي سالي نسيت تقبيلها هدا الصباح ، اندهشت الام من تصرفاتها سالتها: اراك لست على ما يرام ، هل نسيت القيام بما طلبته منك المعلمة من واجبات؟ ردت صاحبة الضفيرة: لا قمت بواجباتي كلها ، حتى اني حفظت سورتي الفاتحة والاخلاص ، كل ما في الامر ، ماما: آني سأشتاق اليك كثيرا ، سأشتاق للحي، لأصدقائي وصديقاتي، للعبي وخصوصا دميتي سالي ، استغربت الام من كلامها قالت لها: حبيبتي ملاكي الطائر ، انه نصف يوم وستعودين للمنزل ، حبيبتي ادخلي الفصل ، ثم حضنتها من جديد وقالت لها : عند خروجك من المدرسة انتبهي جيدا، انظري يمينا وشمالا ، استعملي ممر الراجلين لعبور الشارع كالعادة ، انا اثق بك حبيبتي ، الان ادخلي الفصل سأنتظرك انا ودميتك سالي
داخل الفصل ، تابعت الدرس ، رفعت اصبعها اجابت على كل الاسئلة ، حصلت على نقطة ممتازة في الاملاء ، نوهت المعلمة بنشاطها وتركيزها وانضباطها امام التلاميذ والتلميذات ، ناولتها ورقة الاملاء وضعتها صاحبة الضفيرة في محفظتها .
دق الجرس ، خرجت من المدرسة ، مشت امتارا قليلة ، وصلت الشارع ودعت صديقاتها ، نظرت يمينا وشمالا ، اتجهت نحو الممر المخصص للراجلين عند العبور فاجأتها سيارة يقودها سائق مجنون ، يتسابق مع الزمن ، قرر هذا اليوم ان يكتب النهاية لقصة حياة صاحبة الضفيرة، بتهوره وعدم اكتراثه واستهتاره ، صدمها صدمة قوية صرخت ، ارتطم جسدها الصغير بالأرض ، هرب السائق تاركا اياها جثة هامدة ، رحلت صديقتي ، رحلت معها كل احلامها وذكرياتها، ماضيها ومستقبلها ، لم يتسنى لها توديع من لقنها اول حرف ولا تقبيل دميتها، هي بتصرفاتها الغريبة ، كانت تريد ان تخبر امها عن احساس احسته لم تعرف له تفسيرا لصغر سنها.
السؤال هنا: كيف يمكن لأنسان ان يعيش حاملا على عاتقه دنبا كبيرا كهدأ؟ كيف يمكن ان يواصل حياته دون الاحساس بعذاب الضمير ؟دون الاعتراف بالجرم الدي ارتكبه؟ كيف هو شعوره ، عند مروره من نفس الشارع وامام نفس المكان الدي وقعت فيه الحادثة؟ الا يحس بالخجل والعار ، وهو الدي هرب تاركا وراءه جسدا بريئا بين الحياة والموت غارقا في دمه؟ ترى ما تبريره ؟ عندما يسال: باي دنب قتلت؟ صديقتي صاحبة الضفيرة.
امال الادريسي من طنجة
اترك تعليقا