قصة
حي المصلى بمدينة طنجة، منزل رقم 3 بناية من الطراز القديم، تتكون من طابقين، الطابق السفلي ،خاص بغرف النوم والطعام والمطبخ والحمام، اما العلوي صمم خصيصا لاستقبال الضيوف، هو عبارة عن لوحة تشكيلية رسمها فنان أندلسي، فالزخرفات المنقوشة على الجبس والاقواس الملونة بالأخضر الفاتح تسافر بنا عبر التاريخ، اما الساعة الحائطية الكبيرة ،المعلقة هنا منذ زمن ،جرسها يرن على رأس كل ساعة يذكرنا برنات الأجراس الكنائسية الإشبيلية، هو منزل جدتي الحاجة فاطمة، جمع بين الحضارتين الأندلسية والمغربية. واجهته الأمامية ذات النوافذ الستة، و بابه الخشبي الكبير تتوسطه كف يد حديدية، تطل على زقاق ضيق كان بالنسبة لنا نحن الأطفال وحتى بعض النسوة المتنفس الوحيد للعب، والتعارف وأحيانا التعارك والمشادات غالبا ما تنتهي بجلسة شاي تقيمها إحدى الجارات.
اما الواجهة الخلفية، تطل على الزاوية التيجانية، تقام فيها الصلوات الخمس ماعدا صلاة الجمعة فمريديها من محبي الطريقة الصوفية التيجانية.
اليوم ليلة عيد المولد النبوي الشريف تحول منزل جدتي لخلية نحل، فالحدث عظيم وكل نسوة الحي مدعوات للاحتفال بليلة التبشير كما نسميها نحن بمدينة طنجة.
وزعت المهام على كل أفراد العائلة انا علي العناية بالصغار، امي تعد الفطائر والحلويات، خالتي زهور او حبابي زهور كما كنت اناديها، ترتب وتنظف الغرف المخصصة للضيوف اما جدتي فهي في مشاورات مهمة مع جدي هل طبق الكسكس سيكون باللحم او الدجاج ،أخيرا تم الاتفاق هو طبق كسكس بالدجاج مزين بالبصل والزبيب، هذا طبق تقليدي يقدم في مثل هذه المناسبات. اما الزاوية الصوفية التيجانية فقد فرشت ارضيتها بالزرابي، وزينت واجهتها بمصابيح ملونة بالأحمر والأخضر استعدادا لاستقبال المصلين والمريدين لإحياء هذه الليلة المباركة.
ارخى الليل سدوله، وبعد صلاة العشاء، وقفت جدتي تستقبل المدعوات وهن يتباهين بلباسهن التقليدي، وحليهن الذهبية كل واحدة منهن تحمل قالبا من السكر وعلبة شاي اخضر، هذه عادة لا يمكن الاستغناء عنها في مثل هذه المناسبات، بعد الترحيب بالمدعوات وتقديم الشاي والحلويات، بدأ الحفل بأناشيد وامداح نبوية ادتها النسوة بروحانية ملات المكان بذكر الله والصلاة على النبي والاستغفار حتى دنت النجوم من الأرض عندما اقترب الفجر، توقفن عن الإنشاد ففتحت النوافذ وبدأت كل المدعوات تتطلعن للسماء وهن يزغردن ويكبرن. فجأة احسست بلمسة باردة على جبيني وبصوت يهتف في أذني :ماما استيقظي ،ما بك انت ترتجفين هل انت مريضة ؟
فتحت عيني وقلت له:
لما ايقظتني؟ سامحك الله كان حلما جميلا، سافرت فيه إلى الزمن الجميل ،للماضي، للمة الاحباب والاهل والأصحاب، اشتقت للحي، للجيران، لكل الذكريات الجميلة، انه الحنين يا ولدي، الحنين للزمن الجميل.
امال الإدريسي – طنجة
اترك تعليقا