الهام قيطوني تكتب: ما اعظمك ايها البحر

5 يونيو 2020

اخترت هذه المرة أن أتكلم بلسانك نظرا لأهميتك البالغة ..اخترت اليوم أن أتبنى إحساسك أيها العظيم في محاولة لفهم القدرة المبهرة التي تمتلكها والدور الطليعي الذي تلعبه بدنيانا ..
ما أوسع قلبك حين يتسع لكل انواع الجنون البشري .. حين يتحمل الإنسان بكل سخافاته المختلفة وحماقاته المتنوعة ..
تستقبل كل يوم ما لا يحصى من الزوار وبطيب خاطر تستمع لقصصهم الفردية والجماعية العجيبة تارة والمملة تارة أخرى ..تنصت لقصائدهم ورواياتهم ..لأحزانهم و أفراحهم ..لمسرحياتهم بهذه الحياة وسيناريوهات يومياتهم وأعمارهم و التي تنم كلها وفي أغلب الاوقات، عن “واقع مرير” لا يحتمل ..
ما أوسع صدرك حين يفجرون بوجهك السهام التي رمتها بهم اختياراتهم أحيانا، وعصفها بسبيلهم القدر احيانا أخرى دون أن تتضايق أو تمل ..
قل لي أيها الجميل !
– كم قصة حب بكيت عليها بسبب عدم اكتمالها ؟؟
– كم صرخة ذو فقد سمعتها؟!
– كم إحساس باليتم تبنيته ؟؟
– كم من قصيدة كتبت على ضفافك ؟
وكم من حلم احتضنته من أوله لآخره ؟!!
يتوقون لقدوم فصل الصيف فقط كي يغوصوا بين أحضانك غير مبالين بهيجان أمواجك ولا بغضبك حتى .. من دون استئذان منك ولا مراعاة لمزاجك المتقلب يرمون بأنفسهم وسط أعماقك ..
يأتونك ضعافا، مشردين، وتائهين فتعيد ترتيب اوراقهم بطرق سحرية .. ليغادروك بعد ذلك سعداء، أقوياء، مطأطئين رؤوسهم عاليا ..بطاقة ورؤية أخرى غير الرؤية الكئيبة التي أتَوْك بها ..
كيف يمكنك فعل كل هذا من دون مقابل ولا تعب وبشكل مستمر ؟؟ كيف يمكنك أن تغير أحوالهم من سيء إلى حسن بين عشية وضحاها ؟؟
هناك من يراقبك عن كثب بشكل متعاقب ورسمي لانه منبهر بحجمك المتميز و بزرقة لونك الساحرة التي تذوب أمامها كل القوى البشرية وتنصهر ..
وهناك من يسترجع أشياءه التي أهملها وسط بر فوضوي مليء بتفاصيل معقدة جدا ..أعقد من أن تجيب عنها، لكنك تجيب !!
بعيدا عمن يرى نفسه فيك ..عمن يرى صورته التي لا تشبه إلا نفسها بقلب أمواجك الثائرة ..
قد أفهم جزءا منك لأنك تشبهني قليلا أيها الشقي .. بهيجانك المستمر وثوراتك المفاجئة وبمزاجيتك المخادعة .. الهادئة تارة و المنتفضة تارة أخرى ..
البحر ملجأ من لا ملجأ له .. إنه مدرسة حقيقية تعلمك معنى الحب والعيش ..معنى الحياة ..معنى الفرح ..معنى ان تعطي دون أن تنتظر مقابلا من أحد ..معنى الصفاء وكيف تكن أنت بكل صدق ..
قد احتل مكانة محورية بقلب كل واحد منا على حدة .. بطريقة ما لا يمكن تجاهلها ، بل من الصعب غض البصر .. عنها
البحر مرآة لدواخلنا، للإنسان الذي يستوطننا، للفطرة التي خلقنا عليها ..
نرى فيه جوهرنا الحقيقي ، نكشف بحضرته “نحن” الأصليين.. نستعيد أمامه توازننا الذي اختل بمعارك لم نكن يوما سببا في اندلاعها .. و نتحرر فيه من كل لغة خشبية ..!
هو الملجا الذي نرى فيه شخصنا على طبيعته تماما ..
!! فكل المجد والحب والولاء لك أيها البحر

الهام قيطوني – مدينة وجدة  

اترك تعليقا

لن يتم اظهار بريدك الالكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها *

: / :