يعتبر الثرات هو كل ما تركته الأجيال السابقة للأجيال التي تليها،مع إضافة بعض الخبرات المكتسبة و الجديدة دونما إخلال بعراقة ذلك الموروث،و كتعريف اخر فإن الثرات هو مجموعة من الممارسات و الشعائر التي يقوم بها جماعة من الناس التي تعيش في مكان معين.و الموروث انواع،منه ما هو حيوي و منه ما هو فكري او علمي،ومنه ما هو ثقافي، ويعد الموروث قيد الدراسة هو الموروث الثقافي و يعتبر هذا الأخير مجموعة من المعتقدات و المذاهب التي تخص مجموعة من الناس في منطقة معينة، وهو نوعان: ثرات ثقافي مادي، و ثرات ثقافي غير مادي، ويشمل النوع الأول من الثرات :القطع الأثرية و المعالم التاريخية و المواقع الأثرية، كما يشمل جميع الأدلة و التعابير البشرية مثل الوثائق و المخططات و الكتب…إلخ، أما النوع الثاني من هذا الموروث و هو الذي ستركز عليه هذه المقالة،هو الموروث الثقافي غير المادي او غير الملموس، و يشمل هذا النوع من الثراث الثقافي العناصر المادية التي تضم التقاليد و التاريخ الشفهي و الممارسات الإجتماعية.
يعتبر الموروث الثقافي غير المادي، مجموع الممارسات والتمثلات والتعابير اللغوية والفضاءات الثقافية، التي تحتويها وتقر بها وبدورها الرمزي في المجتمعات والمجموعات البشرية، وتكمن أهمية هذا الموروث في التمظهرات الثقافية، وفي غنى المعارف والمهارات التي تنقل من جيل لأخر، ويتجسد هذا الموروث الثقافي غير المادي في مجموعة من الحقول هي كالتالي:
-الأعراف والتقاليد والتعابير الشفهية، ومن ضمنها اللغة كناقل وحامل وموجه لها.
-الممارسات الإجتماعية من طقوس وأعمال فرجوية شعبية.
-المهارات والممارسات ذات صلة بالاهتمام بالطبيعة والكون.
-المهارات والمعارف المتعلقة بالصنع التقليدي.
وعليه فإن الموروث الثقافي غير الملموس مرتبط آرتباط وثيق بالمتخيل الجماعي، الذي يتحكم بواسطة المعتقد واللغة في جميع المظاهر المجتمعية، سواء كانت روحية أو دنيوية.
إن الإرث الثقافي إذا، هو توليف أصلي لمجموعة من الروافد الثقافية والحضارية التي تتمتع بأسلوب معين، يتجسد في اللغة والمعتقدات والتقاليد والفنون والفضاءات والمهارات، وهي نتاج تاريخي له مسار معين.
تعتبر منظومة التمثلات الدينية والفلسفية والجمالية والمعرفية، ليست نتاج تاريخ مستقل لوحده فقط، بل نتيجة تمازج ثقافي أساسي وهو ما يصطلح عليه بمفهوم التداخل الثقافي الذي يعني أن التأثيرات الخارجية النابعة من ثقافات أخرى، قريبة منها أو متقاطعة معها، ليست عرضية بل تؤثر في الأطر الرئيسية للثقافة الأصلية.
ومن هذا المنطلق يمكن الحديث عن المورروث الثقافي المغربي كنموذج، بحيث يجسد هذا الأخير مفهوم التمازج الثقافي المتعدد بين ثقافات عديدة متجدرة في العمق المغربي سواءا يهودية أو إسلامية،و خير مثال على ذلك هو:الإرث الموريسكي الأندلسي الذي يعتبر نتاجا لثقافات متعددة و مختلفة، يهودية و مسيحية و إسلامية، آنصهرت كلها في بوثقة فريدة من نوعها و أعطت ثقافة متميزة بالأندلس و بالمغرب أساسا، و يدرج في هذا الإطار، على سبيل المثال:الأدب الشفهي المتمثل في الشعر الشعبي المغربي الذي يعرف بفن الملحون، او الزجل او الشعر الشعبي الحساني…إلخ، بحيث تعتبر كل هذه الآثار وغيرها من مكونات الثقافة الشعبية المغربية و رافدا من روافدها الثرية، والتي لها حضور قوي و بارز في المجال التداولي المغربي، في مختلف مستوياته الإجتماعية و الثقافية،ذلك أنها تمثل ذاكرة الأمة المغربية، وشعورها الجمعي، وكذا مجموع الأثار التي رسختها الأجيال في الذاكرة المغربية على امتداد التاريخ.
إذا فلا جدال في أن الثقافة الشعبية المغربية زاخرة بالتنوع والغنى، وذلك راجع لتعدد روافدها بفعل امتزاج الجماعات الإنسانية لتشكيل ذاكرة ثقافية مغربية محافضة على خصوصياتها على المستوى الواقعي، وانعكاسها المتمثل جليا في عقلية المواطن المغربي وسلوكاته وتقاليده الإحتفالية وأقواله المناسباتية.
إذا يمكن القول أن الموروث الثقافي المغربي غير المادي، ليس بالجامد، فهو يتأثر بمحيطه المباشر بمختلف اشكاله و تمظهراته وبشتى أنواع الوسائط التي توجهه في عصرنا الحالي، كالتلفاز والراديو والأنترنيت، لذلك وجب التعامل مع كل هذه الوسائط والمعطيات بوعي خاص وألية ملائمة، في سبيل الحفاظ على هذا الموروث و حمايته من العبث.
وعليه فالموروث الثقافي إذا بكل أشكاله وأنماطه، يلعب دور النسيج المفصلي في إرساء الهوية الجماعية للأفراد والجماعات، كما يعمل على تحريك المسيرة التنموية للأمم والشعوب من خلال الحرف والفنون والوسائط السمعية والبصرية، هذا وتكمن أهميته في تصوراته الذهنية وتجلياته السوسيولوجية والثقافية التي انتقلت من جيل لأخر، بحيث يهم هذا النقل للمعارف الأقليات مثلما يهم الكثل الإجتماعية الكبيرة، ويهم البلدان النامية مثلما يهم البلدان المتقدمة.
وكنافلة القول، يعد التراث الثقافي غير المادي عموما، اللبنة الأساسية في فهم العقليات والمجتمعات، كما يساعد في فهم واستيعاب مختلف السلوكات والعادات، انطلاقا من الإنفتاح عن الاخر والبحث عن طرق وأنماط عيشه، لخلق و تثمين حوار بين مختلف الثقافات.
المجداوي إيمان – مدينة الرباط
المصادر والمراجع:
- الثقافة الشعبية المغربية في النصوص والدراسات الوطنية والأجنبية؛ كتاب مشترك لمجموعة من الأساتذة.
- محمد الفاسي؛ معلمة الملحون، القسم الاول، ص:١٢
- كليفورد؛ تاويل الثقافات،ترجمة محمد بدوي.
اترك تعليقا