تتميز كتابات الأستاذ عبد الكريم جويطي بالتنوع في مجال الرواية، وتعدد المواضيع التي يتناولها ببصيرته وعمق رؤيته ونظرته للواقع، التي تتسم بالنقد وأحيانا العزاء لما ٱل إليه الوضع في بلده.
وهو روائي من أفضل الروائيين المغاربة، إذ على الرغم من أن البعض منهم يجنح للكتابة من باب الترجمة أو التأثر بالتجربة المشرقية والعربية، إلا أن كاتبنا انطلق من تجربته الذاتية ليصهرها كتابة، محاولا نقل واقع المغاربة وكشفه بإبداع قل نظيره، ليكون أسلوبا ٱخر في الكتابة تضاهي كتابات المشارقة، والتفوق عليهم.
لقد انطلق كاتبنا من الواقع المغربي، محاولا فهم أبعاده و دلالاته، وهو يشق طريقه نحو مرحلة جديدة من الكتابة، أي مرحلة ما بعد الواقعية التجريبية، وهي كتابة تنفرد بذاتها لتشكل خصوصية فريدة من نوعها تعبر عن الأدب المغربي،( أنظر كتابنا سرديات معاصرة)1.
هذه الخصوصية التي تتجلى في الكثير من أعماله بداية برواية “ليل الشمس” التي حاول فيها أن يرصد تأثير الواقع المغربي على الأفراد، من حيث علاقتهم بالبيئة التي يعيشون فيها، وكذا استحضاره للأمثال الشعبية مثل حكاية “عرق الفدا فدا”، وحكاية الفقيه، التي تبين مدى تأثير الخرافات والتقاليد والأساطير وتعششها في عقول الأفراد.
وبرصد الكاتب لمستويات الوعي عند الأفراد، يكون قد انتصر لهمومها، عن طريق استنطاق المضمر في لا وعيها ، لينتقل بذلك نحو كشف العلاقات التي تربط بينها، ففي رواية : كتيبة الخراب تظهر هذه العلاقة المتأزمة بشكل مريع بين أصحاب النفوذ و المغلوبون على أمرهم. حيث يكشف عن قساوة الإنسان والطبيعة في مدينة بني ملال، والعلاقات المتشابكة بين شخوص تعيش واقعا متأزما وتنتمي بوعي أو بلا وعي لمؤسسات الدولة، موظفين ومواطنين يقودهم القدر لقضاء مصالحهم الخاصة، فيميط لنا اللثام عن بعض ممارسات الإدارة المغربية، خاصة المسؤول الكبير وهو في مكتبه الوتير يبادل الناس بنظرة احتقار وازدراء ليعيدهم لوضعهم الطبيعي، والفتاة الدانماركية التي قطعت رحلة طويلة لغرس شجرة في هذه المدينة التي تقتلع أشجارها يوميا، ونفسية أصحابه وهم يلاحقون أوهامهم وأحلامهم يغذونها لتتناسب وأهواءهم، كمحاولة منهم للهروب من واقع مدينة بني ملال المتأزم.
إن كتابات الاستاذ عبد الكريم جويطي تحتفي بذات الانسان المغربي الملالي، عن طريق استحضار التاريخ والذاكرة لمدينة بني ملال المغربية التي لها جذور في التاريخ، بغية فهم بعض جوانب حياته في علاقته بالراهن، والقارئ عندما يقرأ رواياته، إنما يقوم بإعادة قراءة هذه الذات التي عرفت انكسارات و هزائم عبر التاريخ، فلا يجد المغربي عزاءه إلا عن طريق القراءة الشافية للماضي والتاريخ. و استحضاره كتابة لفهم أمثل لقضاياه العامة والمتشابكة، إذ تبرز النصوص هذا التشابك و هذه الازدواجية في شخصية المغربي الذي ينصت للعشاب والفقيه بحسب تعبير الكاتب.
ومن هنا نتبين درجات الوعي عند الكاتب في تناول قضايا و هموم بلده، كيف لا وهو المثقف الملتزم بقضاياه العالم بخباياه، المأثر بسطوة التاريخ الذي لا يرحم الضعفاء كما تجسد ذلك في روايته المغاربة.
هوامش:
1 .أنظر كتابنا:
سرديات معاصرة، قراءات في السرد المغربي المعاصر، منشورات جامعة المبدعين المغاربة 2021، عندما ناقشنا مسألة خصوصية تطبيق المنهج في الفصل الأول وقلنا بأن هناك إيمان بخصوصية المنحى الإيديولوجي لكل رواية، على اعتبار أنها ظهرت في سياق تاريخي معين.
2_ عبد الكريم جويطي، روائي مغربي،
ولد سنة 1962 ببني ملال درس بجامعة القاضي عياض بمراكش سنوات إجازته، لينتقل فيما بعد لكلية الآداب بالرباط ويأخذ بها دبلوم الدراسات المعمقة، اشتغل أستاذا وتقلد مناصب عديدة ضمن وزارة الثقافة آخرها مديرا جهويا للثقافة، إلى جانب الإبداع اشتغل أيضآ بالترجمة وله أعمال نذكر منها ترجمة رواية البلجيكية إيميلي نوثومب “نظافة القاتل”.
من منشوراته الروائية:
ليل الشمس 1992 جائزة اتحاد كتاب المغرب.
زغاريد الموت 1996
رمان المجانين 1998
الموريلا الصفراء 2003
مدينة النحاس 2004
كتيبة الخراب 2007 القائمة الطويلة للبوكر
المغاربة 2016 جائزة المغرب للكتاب اللائحة الطويلة للبوكر.
3_ الروايات:
_ المغاربة: رواية، المركز الثقافي العربي، الطبعة الأولى، 2016، المغرب.
ـ كتيبة الخراب، رواية، الطبعة الأولى 2007، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء المغرب.
ــ ليل الشمس، رواية، الطبعة الثانية، 2019، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء المغرب.
الحسين ايت بها – مدينة زاكورة
اترك تعليقا