بين لكن ولماذا؟ سال المداد وصدحت الحناجر، وأمام كل تلك المسافة الواصلة/الفاصلة بين مقالنا الأول بخصوص ملف التعاقد، نشرته وقتذاك جريدة “أخبارنا” مشكورة، تحت عنوان: الخطاب المطلق لوزارة التربية الوطنية ومآلاته ، بتاريخ؛31/03/2019 منذ ذلك وقبل ذلك وحتى الآن. ما زال ملف التعاقد، كالعادة، يُناقش في المكاتب المكيفة، وفي الساحات العمومية، على ألسنة العامة و(المثقفين)… وما زال يكشف تباعا معتنقي الأحقاد، أعداء المدرسة العمومية… مصير أمة ينتظر المآلات؛ مآلات الخيار الصعب؟
صورنا المشهد، بهذه الكلمات[عرفت الساحة المغربية في الآونة الأخيرة مجموعة من الأحداث المثيرة، ولعل أبرزها على الإطلاق قضية الأساتذة الذين فُرض عليهم التعاقد-ولابد فرض عليهم التعاقد، عندي، لأني أنا ذاتي.. رأيي.. الذي أملك؟ ورأي كل الذين ما يزالون أحرارا-أو أطر الأكاديميات كما تسمينا وزارة التربية الوطنية، وليس بغريب، أن تنحت تسميات جديدة…]
بداية “لكن”؛ ترافقت مع تثبيت ذلك المخطط اللعين، الذي أدمى أعين الأمهات، وكسر قلوب الأباء، لمحة تاريخية، أو نقطة سوداء في التاريخ، سيان. [يعود تاريخ العمل بهذا النظام، نظام التعاقد إلى سنة 2016، إذ تمكنت الوزارة من توظيف ما يناهز 75000 ألف أستاذ عبر دفعات بدءا بالسنة المذكورة سابقا. لهؤلاء الأساتذة-الذين فرض عليهم التعاقد-الواجبات نفسها، لكن في الحقوق هناك بون شديد بينهم وبين الأساتذة المرسمين. وأمام هذا الوضع المأزوم الذي ينال من جسد هذه الفئة وعقلها يوما بعد يوم، قرر هؤلاء إنشاء تنسيقية خاصة بهم، التي باتت معروفة باسم “التنسيقية الوطنية للأساتذة الذين فرض علبهم التعاقد”.]
التنسيقية، كفكرة صغيرة، اعتنقها كل من استشعر هول الآتي القريب، هول الطيف/الغول الذي يترصد ولعابه يسيل للنيل مما تبقى من المدرسة العمومية… كل فكرة تكبر وتكبر حتى تصل إلى درجة الإيمان بالفكرة، ولعل وجاهة الفكرة هي التي هيجت الرغبة في تصريف المشاعر البربرية المقيتة، حقد، كراهية، سخط، سحل، رفس…كتبنا حينها:[ عرفت القضية منعطفا خطيرا بعد التدخلات العنيفة في حق الأساتذة، وليس ببعيد مسيرة الرباط المصحوبة باعتصام يومي 23 و24 مارس، إذ تعرض الأساتذة لجميع أشكال الرفس والدهس مع الاستعانة بخراطيم المياه لتفريقهم… وقد سجلت إصابات متفاوتة الخطورة في صفوف الأساتذة، وتجدر الإشارة ههنا، إلى خرجات الوزارة في كل مناسبة بخطابات شديدة اللهجة لا تخرج عن نطاق الترهيب والتهديد بفسخ العقود…] ولو قارنا تاريخ المشهد بالآن، لوجدنا لغة واحدة تتقلب نبرتها بين الشدة والقسوة، سلطوية القوة التي تفني صاحبها… مشاهد عديدة تناسلت، تدمي القلب قبل العين.. تجاوزات، انتهاكات، بالجملة…
للأسف؛ لم يسمعونا؟ لا يشعرون بنا؟
نذكر، أن يومها نبهناكم، لما صدمنا من وحشيتكم، ميدانيا وعمليا… أننا مصممون على إسقاطه، كسرا لقيود العار، أذكر في هذا الصدد، -كما سبقت الإشارة في المقال السابق-تجربة الفيلسوف البلجيكي شاييم بيرلمان الذي ألف كتابا ترك أكبر الأثر في دراسات الحجاج إلى اليوم وهو كتاب “مصنف في الحجاج: البلاغة الجديدة” traité de l’argumentation. La nouvelle rhétorique… ويُرجِعُ الباحثُ جورج فينو أسباب تأليف هذا المصنف إلى عوامل سياسية، ارتبطت بتأثره الشديد –وهو اليهودي البلجيكي- بالإبادة الجماعية التي تعرض لها الشعب اليهودي خلال الحرب العالمية الثانية، الشيء الذي جعل بيرلمان يقتنع بأن الكلام المستند إلى المطلق قد يقودنا إلى اللاعقل والتخريب…
وفي خضم الحرب الباردة في سنوات الخمسينيات والستينيات بين المعسكرين الشرقي الاشتراكي والرأسمالي الغربي، بدا لبيرلمان أن ما أصبح مهددا هو قيمة العدل داخل الممارسة الديموقراطية.]
صححنا وقلنا؛ كفانا من هذه المعركة الكيشوطية الحقيرة، سلاح السلطوية، يصفعكم دوما…. المعركة ببساطة يا سادة، حسمها، لا غالب فيه ولا مغلوب، فحري بالوزارة الكسولة أن يعي بأن الاستجابة لمطلب الإدماج هو مكسب للمدرسة العمومية. ومن التجربة أعلاه، يثبت هذا المبدأ.
أما الاقتراح الثاني الممكن استخلاصه؛ هو ضرورة الترجل من على صهوة/سلطة تأثير الرتب، لتشرحوا لنا من غلق باب الحوار؟ لصالح من؟
ببساطة نقف على أعتاب هذا المشهد التراجيدي المهين، وننزف ألما نقول ببراءة؛ لماذا تقمعوننا؟ لماذا تصرون على إذلالنا؟… تنطعت لماذا؛ طافية على أعتاب المشهد، الذي تشابه فيه اليوم بالأمس، مشهدية مقيتة-تضعنا في لعبة قدرة كان حري بكم ألا تكون لكم النية في خلقها، أصلا. كان بالإمكان الآن، أن نسائل أين وصل التكوين المستمر للأساتذة للاستجابة السريعة المواكبة للأحداث المتوالية التي تجثم ونحن دوما في عمق القذارة نتدافع…
أي تأخر هذا؟ السؤال هنا، يحاصر كل غيور، كل محب، كل حر… لماذا تستنزفون طاقتنا النفسية والعقلية…
أذنبنا أننا يوما حلمنا بعفوية شديدة لذلك الشامخ المشع بياضا بوزرته الراشحة بمسحوق طبشر خط وخط…. سألنا بماذا تحلمون مستقبلا؟ بسط أكثر ما (المهنة) التي تعجبكم؟ حلمت الطفولة، ها هو الشباب يزج به في معركة ليس مسؤولا عنها، لن تفلحوا في إخماد مشاعر الغضب والأنين ما لم يرفع ذلك المخطط بالذات. أو أن تفكر أذناب الغول في التقدم أكثر… سنظل نرتجل نصنا الذي تودون محوه، سنظل متشبثين بالسلمية والحوار، ولغة اللاعنف..
أكذب المعلم، حينما شجع حلمنا؟ بالمطلق لا؛ لكنه تقاعس، واستحلى قولبته في تسميات عرضي، متدرب، متعاقد…. فخرس مرغما…. تعلمنا الدرس أيها المعلم، وآمنا بأن ذلك الحلم الصغير/الكبير لنا، انتزعناه بشرف، ولو مشروطا نقاوم… أثبتنا للمعلم أننا ما زلنا أبرياء، فضلاء، كما علمنا… هكذا نجسد-نحن الأصوات الحرة، لأن التعاقد فرض في الحقيقة على شعب-أعظم “شكرا”… ها أنت أيها المعلم في تقاعدك/تقاعسك تفتح الهاتف بعدما ركنت إلى الصمت على من علمتهم ومن ألهمتهم يحشرون في معارك ليس لهم أي ذنب فيها… نزيف، ولكن سنظل أوفياء لرسالتنا النبيلة بالضرورة نكاية في قوى الظلام.
إن كان لابد من ختم، فقد أحببنا مرة أخرى أن ننبه، بقولة وبيتين شعريين. لكن لابد من بوح، بوح على مقاس شهادة المحتضر: نقول فيها: سنظل أوفياء… حملنا المشعل ورهاننا الوحيد، هو رعاية أحلام تلك الركيزة المتينة التي لا قيام لدولة بدونها… الطبقة الفتية المفعمة إصرارا، أجل الطفولة. [وليعلم من تجرد من إنسانيته متلذذا في جلد العزل، أن الناس لا يستسلمون إذا ما كانوا يتعرضون للضربات، إنهم في الحقيقة يتماسكون على نحو أكثر عنادا وإصرارا ].
أما البيتان الشعريان فقد ارتجلهما مناظر لمناظر:
قلمي له قلبي دواة والسما طرسي….. وماكذب الفؤاد بمـــــــــــــــــا روى
وسهام شعري كم شوت من ….. خافق لمناظر بحرائق الخســــــر اكــتوى
الحسين الباحث – مدينة بني ملال
أستاذ باحث
اترك تعليقا